سيأتي من بعد عبدالعزيز بوتفليقة رئيس جديد للجزائر ويسأل: لماذا حللت لنفسك مددا مفتوحة للرئاسة، وحرمتها على من بعدك؟
خطوة الجزائر بتعديل الدستور بما لا يتيح أكثر من ولايتين رئاسيتين، في الاتجاه التقدمي. وحظيت بدعم أغلبية واسعة في البرلمان الجزائري.
ويقول مختصون في الشأن الجزائري إن الرئيس بوتفليقة شبه العاجز، يريد من وراء الخطوة تأمين مستقبل بلاده من بعده، كي لا تخضع البلاد في المستقبل لحكم استبدادي وفردي، ولا تعود الجزائر لسنوات “العشرية السوداء”.
وهنا يجوز السؤال: لو أن بوتفليقة بكامل لياقته وصحته، وقادر على حكم الجزائر لولاية خامسة، هل كان سيقدم على خطوة كهذه تضع حدا لطموحه في السلطة؟
باستثناء مثالين لا يسران؛ لبنان والعراق، مضت الجمهوريات في عالمنا العربي في طريق لا مثيل لها عالميا. جمهوريات بولايات رئاسية مفتوحة إلى ما شاء الله، وصنف ثان سعى مبكرا لتهيئة وريث من أفراد العائلة لتسلم السلطة.
الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي لم يكن الزمن ليسعفه لتسليم السلطة لابنه قبل سقوط نظامه، فمنح لنفسه حقا حصريا بولايات لا نهاية لها. الرئيس السوداني الحالي انتابه الفزع من موجة “الربيع العربي”، فأعلن للملأ عن نيته التنحي قبل سنوات. وحين انتكست الثورات، عاد بولاية جديدة وكأن شيئا لم يكن.
الأسد الأب ورّث السلطة في سورية، والقذافي كان قريبا من خطوة مشابهة لو لم تداهمه الأحداث وتقتلع حكمه وحكم أبنائه. في مصر، كان حسني مبارك في خضم نقاش عائلي محتدم على موعد تسليم السلطة لنجله جمال، لكن ثورة يناير أطاحت بأحلام الأب والابن.
في كل الجمهوريات الوراثية، بنى الزعماء قصورا لشعوبهم، وأقسموا أن يحترموا الدساتير وقدسيتها. جلهم كانوا زاهدين في السلطة؛ دورتان أو ثلاث بالكثير، ويغادرون معززين إلى بيوتهم. لكن ما إن جلسوا على كرسي السلطة حتى “لحسوا وعودهم”؛ داسوا على الدساتير بأقدامهم، وأخضعوها للتعديل كما لو كانوا يعدلون ربطات عنقهم. وفي الدساتير العربية فقط دون غيرها، أدخل فقهاء الحكام مادة تنص على تنصيب الرئيس مدى الحياة، واستبدل الانتخاب المباشر كما الديمقراطيات المعروفة بالاستفتاء.
وثمة ما هو أغرب في الجمهوريات التعيسة عندنا؛ رئيس فرد يترشح وينجح طبعا، ثم يتشكل باسمه في وقت لاحق حزب في البرلمان، لا تجمع بين أعضائه وسيادة الرئيس أي صلة من قبل؛ كل ما في الأمر أن الرئيس يسعى لمجاراة الأعراف الديمقراطية والبرلمانية، لتكون له في البرلمان أغلبية تضمن تمرير قراراته وتشريعاته.
وفي عرف جمهورياتنا لا يصبح الرئيس زاهدا بالسلطة إلا إذا بلغ من العمر والمرض مرحلة لا يستطيع معها ممارسة أبسط واجباته اليومية، أو عندما يكبر الابن ويغدو جاهزا لتسلم الراية من بعده.
لا وريث لبوتفليقة من أفراد عائلته، وصحة الرجل لا تسعفه لإكمال ولايته الحالية، فلم يعد أمامه من خيار سوى تعديل الدستور لينعم الجزائريون من بعده بتداول السلطة؛ فقط من بعده.