النتيجة الأهم لمؤتمر لندن هي موافقة الاتحاد الأوروبي على تخفيف قواعد المنشأ، بإعطاء المنتجات الأردنية فترة انتقالية مدتها عشر سنوات؛ بما يساعد على زيادة حجم الصادرات الوطنية إلى السوق الأوروبية. بيد أن جني ثمار هذه الميزة له شروطه ومتطلباته.
قصة انتزاع الموافقة على تعديل قواعد المنشأ التي يتشدد بها الأوروبيون، لم تكن سهلة. إذ استحوذت على جزء كبير من عملية التفاوض التي قادها الملك شخصيا مع العديد من القادة الأوروبيين، لتدرج بعد ذلك في الوثيقة التي خرجت من مؤتمر لندن، ملزمة الدول بما تضمنته.
بحسب مسؤول أردني مطلع، يفترض أن ينهي “الاتحاد” المراجعة بهذا الشأن مع أشهر الصيف المقبل. وحتى ذلك الحين، يلزم ترتيب بيتنا الداخلي بحيث تتحقق أعلى استفادة وأكبر قيمة مضافة متاحتين، سواء من الحكومة أو القطاع الخاص، لأن الكل شركاء في تمكين الأردن، بكل فئاته، من استثمار الاختراق الكبير على صعيد قواعد المنشأ.
رسميا، يلزم إدارة هذه الجزئية بحرص شديد، بما يضمن تدفق الاستثمارات من ناحية، ويساعد الصناعيين على تصدير منتجاتهم من الناحية الأخرى. وهو الأمر الذي يعني تعديل تشريعات، والتخلص من البيروقراطية المنفّرة للاستثمار، وصولاً إلى جذب رؤوس الأموال.
لا بد من متابعة كل تفاصيل العملية، لضمان كونها ميسّرة وسهلة، بعيدة عن العقلية الجبائية الطاردة للمستثمرين. إذ تتوفر لدينا فرصة ستضيع إن لم نوظفها بشكل صحيح، لزيادة الاستثمارات الأجنبية التي تراجعت خلال السنوات الماضية لأكثر من سبب.
المسألة الأخرى المصيرية ترتبط بماهية التفاوض مع الأوروبيين بشأن التخفيف المطلوب، الذي يتيح للصناعات الأردنية دخول سوق “الاتحاد”. إذ تؤكد المعلومات على هذا الصعيد أن العائق الأكبر يتمثل في ما اصطلح على تسميته “تراكم المنشأ”، والذي يشترط أن يكون 40-50 % من مدخلات إنتاج السلع من دول وقّعت اتفاقيات مثيلة مع الاتحاد الأوروبي. والمطلوب هو إلغاء هذا الشرط، كونه صعب التطبيق عمليا، إن لم يكن غير واقعي تماماً؛ فلا توضع، بالتالي، أي محددات على جنسية مدخلات الإنتاج، تقديرا لوضع الأردن.
بعد الحكومة، يأتي الدور على القطاع الخاص الذي يجب أن يكون مستعداً لما هو آت، ولاسيما معرفة ما تحتاجه السوق الأوروبية من صناعات ومنتجات، فيتحقق الاستثمار الأمثل للاختراق المقبل.
التجربة ليست جديدة أو طارئة على بيئة الأعمال الأردنية، إذ تمكن الأردن من إنتاج سلع بمواصفات عالمية أهلتها لدخول السوق الأميركية من خلال اتفاق المناطق الصناعية المؤهلة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفارق في القيمة المضافة بين الاتفاق الحالي والسابق، نظرا لغياب المدخل الإسرائيلي عن الاتفاق مع الأوروبيين، ما يعني أن القيمة المضافة للاقتصاد الوطني ستكون اليوم أكبر بكثير إن أحسنا استغلال الفرصة.
ما بعد لندن، علينا تشكيل ورشة العمل المحلية التي تجمع كل الأطراف؛ لتحديد نقاط القوة والبناء عليها، كما وضع الإصبع على نقاط الضعف ومعالجتها، فالجميع يعلم أن بعضا من صناعاتنا تحتاج عملا كبيراً للارتقاء بمواصفاتها، والخروج من دائرتها المحلية.
وعلينا، أيضا، التفكير في ما يملك السوريون من مهارات لاستثمارها في المشاريع الجديدة التي يمكن أن تأتي للسوق المحلية؛ فتعم الفائدة على أشقائنا السوريين، كما على الأردنيين عموماً، ولاسيما في المجتمعات المضيفة.
الأنباء الرسمية تؤكد أن الحكومة بصدد إعلان أربع مناطق تنموية تستقبل الاستثمارات المتوقعة. وعليها أن تهيئ لها البيئة المواتية، بطريقة تخدم فكرة الاستفادة من مساعي الأوروبيين للتخفيف من معاناة الأردن، والإبقاء على اللاجئين في الوقت ذاته.
حصاد ثمار تخفيف قواعد المنشأ لن يكون سريعاً. لكن إن تم ذلك، فربما يكون هذا الأمر أهم ما خرج من مؤتمر لندن، لأنه يفتح آفاقا جديدة لها فوائد متعددة، بدءا من التشغيل وتوفير فرص العمل، وليس انتهاء برفد الخزينة بإيرادات إضافية.