قاد الملك عبدالله الثاني بنفسه مهمة الدفاع عن الحق الأردني في مؤتمر المانحين في لندن. وخاطب المجتمعين بعبارات مؤثرة، وباعتزاز كبير ببلده وشعبه، وبالدور الذي يلعبه الأردن لجهة المحافظة على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
اختتم المؤتمر أعماله بإعلان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن جمع أكثر من 10 مليارات دولار لسد الاحتياجات الإنسانية السورية على مدار أربع سنوات، ستة مليارات منها تعهد المانحون بدفعها هذا العام.
مع بداية الأسبوع، من المفترض أن يكون الوفد الوزاري الأردني الذي شارك في المؤتمر قد عاد من لندن، بعد أن قدم “وثيقة أردنية” تفصيلية تدعو إلى تبني نهج جديد لتعزيز التنمية الاقتصادية والفرص في الأردن، بما يخدم الأردنيين واللاجئين السوريين.
الوثيقة الأردنية كانت قد خضغت لمناقشات طويلة مع المانحين الدوليين، ومنظمات أممية كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وتضمنت التقارير الصحفية المنشورة حولها تفاصيل لخطط دعم الاقتصاد المقترحة من الجانب الأردني، وبرامج تشغيل اللاجئين السوريين، وبرامج دعم الموازنة العامة.
وقدرت الوثيقة قيمة التعهدات التي قدمت في لندن لدعم خطة الاستجابة الأردنية بنحو 700 مليون دولار لهذا العام، ومثلها للعامين المقبلين.
لا نعلم مدى دقة هذه التقديرات. لكن لتجنب التفسيرات الخاطئة، يتعين على المسؤولين عن الملف التقدم للرأي العام بعرض تفصيلي عما تم الاتفاق عليه في لندن، وتبيان حجم المساعدات التي سيحصل عليها الأردن من دون مبالغة أو تهويل، وفي المقابل الإجراءات التي ستتخذها الحكومة بشأن قوننة عمل السوريين في السوق الأردنية، وخطط الحكومة للاستفادة من مزايا الوصول السريع للأسواق الأوروبية، والجداول الزمنية لتحقيق هذه الخطوات. وشرح الأفكار المقترحة بشأن المناطق التنموية المنوي إقامتها لتشغيل الأردنيين واللاجئين السوريين.
مؤتمر لندن هو نقطة تحول في أسلوب إدارة أزمة اللاجئين السوريين، تترتب عليه تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية على الدول المستضيفة، لا يجوز التهوين منها، وتحتاج لنقاش عام لعرض المكاسب والتحديات، وإلا فإن الشكوك ستحاصر جهود الدولة في هذا المجال، وعوضا عن تخفيف الآثار السلبية للجوء، سيتنامى القلق العام من مؤامرة دولية لتوطين السوريين في دول الجوار. وقد بدأت أصوات كهذه ترتفع بقوة في سماء لبنان مثلا، المسكون بالحساسيات الطائفية والاجتماعية.
ما أخشاه هو أن يدير المسؤولون ظهورهم للرأي العام بعد العودة إلى عمان، ويتركوا للدبلوماسيين الأجانب عرض تفسيراتهم الخاصة لمخرجات مؤتمر لندن، فيما تقارير الصحافة الأجنبية تتكفل بتأطير الصورة على هواها.
وفي وقت لاحق، لا بد من تطوير برامج لحوار مباشر بين القيادات الاجتماعية والاقتصادية في المدن والبلدات الأردنية، وممثلين عن اللاجئين في تلك المناطق، لخلق لغة مشتركة، وتبديد الهواجس حول مستقبل الشراكة التي فرضتها ظروف البلد الشقيق.
يجب أن نسمع من اللاجئين السوريين العاديين كيف ينظرون لحياتهم في الأردن، وهل توفير حياة كريمة يتعارض مع عودتهم لبلادهم في حال استقرت الأوضاع؟ الأردنيون بحاجة أن يسمعوا مباشرة من أشقائهم.
الشبان السوريون والأردنيون سيعملون جنبا إلى جنب في المستقبل، وهم كذلك الآن. لكن ثمة شكوك متبادلة ومخاوف في الصدور، إذا ما تنامت فإنها ستتحول إلى مشاعر كراهية تصعب مداراتها. ولذلك، يتعين التفكير بأفق أوسع بعد مؤتمر لندن؛ فالوثيقة التي عرضها الأردن هناك تستدعي إدارة مغايرة تماما للملف السوري على المستوى الداخلي.