من الضروري أن نتوقف عند الاستطلاع المهم الذي أجراه مؤخراً مركز الجزيرة للدراسات، بعنوان “إيران في ميزان النخبة العربية”؛ ويتضمن مقابلات هاتفية مع 860 مستجيباً من النخبة العربية، من قرابة 20 دولة، حول قضايا مرتبطة بـ”صورة إيران” لديهم.
النتائج أظهرت، بوضوح شديد، تدهور صورة إيران في العالم العربي في الأعوام الأخيرة. فهناك قرابة 89 % يرون أنّها علاقات سلبية من الناحية السياسية، و87 % من الناحية الأمنية، ويتوقع قرابة النصف 48 % أن تكون في المستقبل أسوأ سياسياً، بينما المتفائلون بنسبة 21 % يتوقعون أن تبقى عند هذا الحدّ من السوء.
لكن عند سؤال النخبة عن الأسباب التي تقف وراء التدهور الحالي في العلاقات، فإنّ 39 % يرون أنّ الصراع على النفوذ هو السبب، بينما 25 % يرون أنّ الطائفية هي السبب.
حتى العلاقات المجتمعية والثقافية لم تنجُ من التدمير الحاصل. فهناك 92 % يرون أنّ صورة العرب سلبية لدى الإيرانيين. والأهم من ذلك أنّ النظام الإيراني السياسي (الديمقراطية الدينية-ولاية الفقيه)، الذي كان لسنين معدودة ملهماً للإسلاميين العرب بعد الثورة الخمينية، أصبح بنظر 82 % سلبياً.
مختلف تفاصيل الصورة الإيرانية سلبية؛ فإيران كنموذج انهارت، فعلاً، في نظر أغلبية ساحقة من الشعوب العربية، فوصل الأمر إلى أنّ 23 % من النخبة العربية ترى إيران مصدراً أساسياً للتهديد، بعد إسرائيل مباشرة، بينما تراجعت نسبة من يرون الولايات المتحدة مصدراً لذلك إلى 5 % فقط!
وهناك شبه إجماع (98 %) بأنّ الخلافات الحالية تؤثر سلباً على الصراع الطائفي في المنطقة، بينما أغلبية كبيرة ترى أنّ موقف إيران سلبي من ثورات “الربيع العربي”، و70 % قلقون من النفوذ الإيراني المتنامي!
حسناً، هذه الأرقام والمعطيات تعزز استطلاعات الرأي العام، وتطابق بين موقفه ورؤية النخب العربية تجاه إيران، وتجذّر القناعة بأنّ هناك انهياراً كاملاً مطبقاً لصورة إيران لدى الشريحة العامة في العالم العربي. لكن الفرق المهم الذي يحدثه هذا التقرير (بالإضافة إلى المعطيات السابقة) هو في موقف النخب العربية من تحسين العلاقات مع إيران؛ فيما إذا كانت تؤيد ذلك أم ترفضه؟
دعونا نقرأ الأرقام لنصل إلى النتيجة الأكثر أهمية؛ إذ ترى نسبة 90 % أنّ العلاقات الحالية مع إيران أسوأ مما يجب أن تكون عليه، أي إنّهم مع تحسين العلاقات مع إيران. وتؤيد نسبة 69 % بناء نظام إقليمي تكون إيران شريكاً فيه.
وأيد 81 % قيام علاقات قوية بين العرب وإيران.
إذن، الخلاصة الذهبية هي أنّ موقف النخبة العربية والرأي العام العربي من إيران لا يقوم على أساس طائفي؛ لأنّها دولة شيعية، بل على أساس سياسي، مرتبط بدرجة كبيرة بالتدخل الإيراني السلبي في العالم العربي، الذي بدأ منذ حرب العراق العام 2003، ووصل ذروته في ثورات “الربيع العربي” والأحداث في سورية، ما قلب الصورة رأساً على عقب في موقف العرب من إيران وحزب الله!
أغلب الإجابات تحيل إلى العامل السياسي، وليس الطائفي. بل أكثر من ذلك، هناك 89 % ترى أنّ ثمّة أرضية مشتركة صلبة يمكن البناء عليها لعلاقات متينة مع إيران، أي إنّهم يرون ما يجمعنا دينياً وثقافياً وسياسياً أكبر بكثير مما يفرقنا، وهي -أي الأغلبية المطلقة- مع إقامة علاقات إيجابية قوية مع إيران، بالرغم من قلقها الشديد من النفوذ الإيراني.
مضى الدهر الذي كانت تخشى فيه الدول العربية من القوة الإيرانية الناعمة التي خسرتها إيران تماماً في خمسة أعوام فقط!