نعم هذا هو واقع الحال، والإشارة وردت على لسان السفير السعودي ثامر السبهان في لقاء له مع قناة فضائية عراقية، حقيقة، العرب السنة ليسوا غاضبين على السعودية فحسب لكنهم غاضبون على عموم العرب مع بعض الاستثناء، وإجابة السفير كانت ردا على اتهام النخبة الموالية لإيران للسعودية بأنها لم تكف عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي لصالح السنة في العراق وهو خلاف الواقع، ولو كان قد حصل ما غضب السنة، لكنه باختصار لم يحصل إطلاقا. وبدلا عن ذلك واظبت السعودية على الوقوف عند مسافة واحدة من جميع المكونات الاجتماعية رغم تبدل الظروف والأحوال.
لم يبن السفير إن كان الغضب في محله، وله مسوغاته أم لا؟ وأجيب شخصيا بالنيابة عنه أن الغضب كان في محله وهو تحصيل حاصل لموقف عام لم يكن مناسبا في تصورنا للظرف السائد في أي حال من الأحوال. لكن المملكة كغيرها من الدول لديها رؤيتها ومصالحها وهي تتصرف بناء على ذلك وليس بالضرورة بناء على تطلعات مكون كان ينتظر موقفا مغايرا.
اختار أغلب العرب الجلوس على التل ومراقبة المشهد المحزن عن بعد حتى بالنسبة للدول التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع العراق، ولكل أسبابه ومبرراته، ورغم أن النخبة الحاكمة كانت ظاهريا تشجع على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول العربية فإن نظرة الشك والعداء للعرب لم تتغير، والكل يتذكر حادثة اختطاف وقتل السفير المصري المغفور له إيهاب الشريف عام 2005 وحديثا ردة الفعل المتشنجة للنخبة الحاكمة الموالية لإيران على تصريحات السفير في اللقاء المذكور، رغم تأكيده بأن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قضت بأن ينظر السفير لجميع العراقيين بعين واحدة وقلب واحد وعقل واحد. وهو نفس الموقف الذي لمسته شخصيا من خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي اختار ألا يكون للمملكة من دور أو تأثير على مجرى الأحداث في فترة ما بعد غزو العراق، والسبب كما قال لي رحمه الله وغفر له في لقاء معه على انفراد في قصر الجنادرية عام 2010 أنه يريد للملكة دورا لكن بعين الوقت لا يجر على المملكة أي اتهامات أو شبهات بأنها تعمل لصالح هذا المكون أو ذاك، وهذا المطلب بعيد المنال إذ سينظر للمملكة مهما اجتهدت أن تكون محايدة بأنها متحيزة للعرب السنة لهذا اخترنا عدم التدخل. أجبته (نحن لا نبغي إحراجكم ولا نحملكم فوق ما لا تقدرون عليه إنما نتطلع إلى مساعدتنا في ردع الآخرين ومنعهم من التدخل) وأضفت (سياسة الباب المسدود على العراق تضرنا ولا تفيدنا ونأمل أن تعيدوا النظر بها وإعادة العلاقات الدبلوماسية هي خطوة نتطلع إليها ونشجعها رغم أوضاعنا الصعبة، المملكة لا يمكن أن تغيب عن الساحة….وهذا الغياب لا يصب في صالح أحد) أجاب رحمه الله (لن تفتح المملكة سفارتها في بغداد بعد أن كذب علينا نوري المالكي ونقض جميع تعهداته) فوجئت بهذا الرد لكني علقت (ربما حصل سوء فهم فيما طرحه المالكي أو تعهد به في حواره معكم) أجاب (لم يكن هناك مجال لسوء الفهم وما عرضه نوري المالكي كان تعهدا مكتوبا حول إدارة العراق وتحقيق العدل والمساواة بين العراقيين جميعا وألا يسمح لدولة ما بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، لكنه كذب علينا ونكل بالتزاماته ولذلك المملكة لن تعيد فتح سفارتها طالما بقي موجودا في السلطة.) استرسل المغفور له بإذن الله تعالى قائلا (العراق بلد عشائري وهو ملك للجميع، فيه شيعة وفيه سنة وفيه أكراد وتركمان ومسيحيون ومسلمون….الخ والمملكة لا ترغب أن تكون بجانب طرف ضد طرف بل نريد لكم العيش كأخوة في بلد واحد ولا تسمحوا بأن يتدخل أحد بينكم ونحن مستعدون أن نساعدكم على ذلك) علقت قائلا (أتمنى أن يسمع نوري المالكي والزمرة الحاكمة هذا الموقف النبيل وهو يتهمنا ويتهم المملكة بالطائفية والإرهاب صباح مساء) وأضفت (مع الأسف هذا الموقف النبيل من جانبكم لن يغير من موقف بغداد منكم أو منا لأن موقفهم مغرض…هم يتهمون المملكة أنها وراء تفشي العنف والإرهاب ونحن ضالعون في ذلك أي إرهابيون…)…عدت إلى بغداد لأفاجأ بنوري المالكي وقد علق لافتات ضخمة على محيط ساحة التحرير أكبر ساحات بغداد مطبوع عليها صورتي إلى جنب صورة الملك عبد الله وبيننا العلم الإسرائيلي!! أرسلت نسخة من هذه الصور للمملكة تأكيدا لكلامي، بأن مجرد وقوفهم على الحياد دون تدخل لن ينقذهم من سوء الظن والاتهامات الباطلة. وللتأريخ أقول إن المملكة ليست فقط لم تتدخل بل كانت سباقة لإغاثة العراقيين منذ الأيام الأولى للغزو عندما أرسلت العديد من المستشفيات السيارة المتنقلة عن طريق الأنبار، كما أنها خصصت مليارا وربع دولار لم تستثمر حتى الآن لأغراض الإعمار والخدمات إضافة إلى مساهمتها بنصف مليار دولار عام 2013 خصصت لأغراض الإغاثة عن طريق الأمم المتحدة…..وهناك بالتأكيد الكثير من هذا القبيل. رغم ذلك فقد كانت الأمنيات أن تلعب المملكة دورا في العراق أكبر بكثير مما ذكر، دورا يوازي مكانتها من جهة ويكافئ أهمية العراق الجيوسياسية في المنطقة من جهة أخرى.
شيء من الذاكرة حول حقيقة التدخل السعودي، والحاصل فإن عدم التدخل أغضب العرب السنة لكنه بالتأكيد لم يرض النخبة الموالية لطهران، موقف أغضب الطرفين.
تهيأت فرصتان فريدتان لدور عربي فاعل تمثلت الأولى بمؤتمر القاهرة عام 2005 واتفاقية مكة عام 2006 لكنهما ضاعتا بسبب عظم التحديات في الداخل إلى جانب قصور الجامعة العربية في المتابعة، باستثناء ذلك غاب العرب عن المشهد العراقي، هذه هي الحقيقة، وتركوا فراغا هائلا وظفته إيران لصالحها، وسواء جاء موقف العرب بناء على تفاهمات أو ضغوط دولية، أو قصر نظر وسوء تقدير، أو انعاكسا من مخاوف مزعومة قد تنشأ من عراق قوي، أم لأسباب اقتصادية تتعلق بحصة العراق من النفط الخام في إطار منظمة الأوبك، فإن مآلات هذا الموقف بناء على قراءة موضوعية لتسلسل الأحداث كانت كارثية على المصلحة العربية، وليس على العرب السنة أو عموم العراقيين فحسب.
الموضوع عميق وشائك، لكن الأهم منه هو الحاضر والمستقبل، فإذا كانت الأمة قد قصرت في الماضي بشأن العرق فهل تراها استوعبت الدرس وعقلت وتوكلت لتعويض ما فات وتدارك ما حصل؟؟ شخصيا لا أرى ضياء في نهاية النفق…وكل ما أخشاه عندما تتغير الظروف للأفضل أن تملي علينا وجهات نظر ومشاريع قد لا تصب هي الأخرى في مصلحتنا الوطنية أو العربية لأننا ببساطة لم نقدم البديل بل تقاعسنا عن ترتيب أوضاعنا في المستقبل.
سنة العراق غاضبون….
طارق الهاشمي
نعم هذا هو واقع الحال، والإشارة وردت على لسان السفير السعودي ثامر السبهان في لقاء له مع قناة فضائية عراقية، حقيقة، العرب السنة ليسوا غاضبين على السعودية فحسب لكنهم غاضبون على عموم العرب مع بعض الاستثناء، وإجابة السفير كانت ردا على اتهام النخبة الموالية لإيران للسعودية بأنها لم تكف عن التدخل في الشأن الداخلي العراقي لصالح السنة في العراق وهو خلاف الواقع، ولو كان قد حصل ما غضب السنة، لكنه باختصار لم يحصل إطلاقا. وبدلا عن ذلك واظبت السعودية على الوقوف عند مسافة واحدة من جميع المكونات الاجتماعية رغم تبدل الظروف والأحوال.
لم يبن السفير إن كان الغضب في محله، وله مسوغاته أم لا؟ وأجيب شخصيا بالنيابة عنه أن الغضب كان في محله وهو تحصيل حاصل لموقف عام لم يكن مناسبا في تصورنا للظرف السائد في أي حال من الأحوال. لكن المملكة كغيرها من الدول لديها رؤيتها ومصالحها وهي تتصرف بناء على ذلك وليس بالضرورة بناء على تطلعات مكون كان ينتظر موقفا مغايرا.
اختار أغلب العرب الجلوس على التل ومراقبة المشهد المحزن عن بعد حتى بالنسبة للدول التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع العراق، ولكل أسبابه ومبرراته، ورغم أن النخبة الحاكمة كانت ظاهريا تشجع على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول العربية فإن نظرة الشك والعداء للعرب لم تتغير، والكل يتذكر حادثة اختطاف وقتل السفير المصري المغفور له إيهاب الشريف عام 2005 وحديثا ردة الفعل المتشنجة للنخبة الحاكمة الموالية لإيران على تصريحات السفير في اللقاء المذكور، رغم تأكيده بأن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قضت بأن ينظر السفير لجميع العراقيين بعين واحدة وقلب واحد وعقل واحد. وهو نفس الموقف الذي لمسته شخصيا من خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي اختار ألا يكون للمملكة من دور أو تأثير على مجرى الأحداث في فترة ما بعد غزو العراق، والسبب كما قال لي رحمه الله وغفر له في لقاء معه على انفراد في قصر الجنادرية عام 2010 أنه يريد للملكة دورا لكن بعين الوقت لا يجر على المملكة أي اتهامات أو شبهات بأنها تعمل لصالح هذا المكون أو ذاك، وهذا المطلب بعيد المنال إذ سينظر للمملكة مهما اجتهدت أن تكون محايدة بأنها متحيزة للعرب السنة لهذا اخترنا عدم التدخل. أجبته (نحن لا نبغي إحراجكم ولا نحملكم فوق ما لا تقدرون عليه إنما نتطلع إلى مساعدتنا في ردع الآخرين ومنعهم من التدخل) وأضفت (سياسة الباب المسدود على العراق تضرنا ولا تفيدنا ونأمل أن تعيدوا النظر بها وإعادة العلاقات الدبلوماسية هي خطوة نتطلع إليها ونشجعها رغم أوضاعنا الصعبة، المملكة لا يمكن أن تغيب عن الساحة….وهذا الغياب لا يصب في صالح أحد) أجاب رحمه الله (لن تفتح المملكة سفارتها في بغداد بعد أن كذب علينا نوري المالكي ونقض جميع تعهداته) فوجئت بهذا الرد لكني علقت (ربما حصل سوء فهم فيما طرحه المالكي أو تعهد به في حواره معكم) أجاب (لم يكن هناك مجال لسوء الفهم وما عرضه نوري المالكي كان تعهدا مكتوبا حول إدارة العراق وتحقيق العدل والمساواة بين العراقيين جميعا وألا يسمح لدولة ما بالتدخل في شؤون العراق الداخلية، لكنه كذب علينا ونكل بالتزاماته ولذلك المملكة لن تعيد فتح سفارتها طالما بقي موجودا في السلطة.) استرسل المغفور له بإذن الله تعالى قائلا (العراق بلد عشائري وهو ملك للجميع، فيه شيعة وفيه سنة وفيه أكراد وتركمان ومسيحيون ومسلمون….الخ والمملكة لا ترغب أن تكون بجانب طرف ضد طرف بل نريد لكم العيش كأخوة في بلد واحد ولا تسمحوا بأن يتدخل أحد بينكم ونحن مستعدون أن نساعدكم على ذلك) علقت قائلا (أتمنى أن يسمع نوري المالكي والزمرة الحاكمة هذا الموقف النبيل وهو يتهمنا ويتهم المملكة بالطائفية والإرهاب صباح مساء) وأضفت (مع الأسف هذا الموقف النبيل من جانبكم لن يغير من موقف بغداد منكم أو منا لأن موقفهم مغرض…هم يتهمون المملكة أنها وراء تفشي العنف والإرهاب ونحن ضالعون في ذلك أي إرهابيون…)…عدت إلى بغداد لأفاجأ بنوري المالكي وقد علق لافتات ضخمة على محيط ساحة التحرير أكبر ساحات بغداد مطبوع عليها صورتي إلى جنب صورة الملك عبد الله وبيننا العلم الإسرائيلي!! أرسلت نسخة من هذه الصور للمملكة تأكيدا لكلامي، بأن مجرد وقوفهم على الحياد دون تدخل لن ينقذهم من سوء الظن والاتهامات الباطلة. وللتأريخ أقول إن المملكة ليست فقط لم تتدخل بل كانت سباقة لإغاثة العراقيين منذ الأيام الأولى للغزو عندما أرسلت العديد من المستشفيات السيارة المتنقلة عن طريق الأنبار، كما أنها خصصت مليارا وربع دولار لم تستثمر حتى الآن لأغراض الإعمار والخدمات إضافة إلى مساهمتها بنصف مليار دولار عام 2013 خصصت لأغراض الإغاثة عن طريق الأمم المتحدة…..وهناك بالتأكيد الكثير من هذا القبيل. رغم ذلك فقد كانت الأمنيات أن تلعب المملكة دورا في العراق أكبر بكثير مما ذكر، دورا يوازي مكانتها من جهة ويكافئ أهمية العراق الجيوسياسية في المنطقة من جهة أخرى.
شيء من الذاكرة حول حقيقة التدخل السعودي، والحاصل فإن عدم التدخل أغضب العرب السنة لكنه بالتأكيد لم يرض النخبة الموالية لطهران، موقف أغضب الطرفين.
تهيأت فرصتان فريدتان لدور عربي فاعل تمثلت الأولى بمؤتمر القاهرة عام 2005 واتفاقية مكة عام 2006 لكنهما ضاعتا بسبب عظم التحديات في الداخل إلى جانب قصور الجامعة العربية في المتابعة، باستثناء ذلك غاب العرب عن المشهد العراقي، هذه هي الحقيقة، وتركوا فراغا هائلا وظفته إيران لصالحها، وسواء جاء موقف العرب بناء على تفاهمات أو ضغوط دولية، أو قصر نظر وسوء تقدير، أو انعاكسا من مخاوف مزعومة قد تنشأ من عراق قوي، أم لأسباب اقتصادية تتعلق بحصة العراق من النفط الخام في إطار منظمة الأوبك، فإن مآلات هذا الموقف بناء على قراءة موضوعية لتسلسل الأحداث كانت كارثية على المصلحة العربية، وليس على العرب السنة أو عموم العراقيين فحسب.
الموضوع عميق وشائك، لكن الأهم منه هو الحاضر والمستقبل، فإذا كانت الأمة قد قصرت في الماضي بشأن العرق فهل تراها استوعبت الدرس وعقلت وتوكلت لتعويض ما فات وتدارك ما حصل؟؟ شخصيا لا أرى ضياء في نهاية النفق…وكل ما أخشاه عندما تتغير الظروف للأفضل أن تملي علينا وجهات نظر ومشاريع قد لا تصب هي الأخرى في مصلحتنا الوطنية أو العربية لأننا ببساطة لم نقدم البديل بل تقاعسنا عن ترتيب أوضاعنا في المستقبل.
طارق الهاشمي/سنة العراق غاضبون
16
المقالة السابقة