عروبة الإخباري – المدن التي تقف على حياد إزاء الشعر ولا تمنحني حق الغناء معها تتمعدن وتموت، هذا ما ذهب إليه الشاعر العُماني عبد الله العريمي، ويؤكد في الحوار التالي: أن النقد في العالم العربي بشكل عام لا يمكنه أن يواكب الشعر، وأن الترجمة بشكل عام قاتل محترف.
والشاعر العريمي أصدر العديد من المجموعات الشعرية من مثل: «كونشيرتو الكلمات»، عام 2005، و»سمِّني أيها الحب»، عام 2008، و»لا أدّعي أفقا»،عام 2012، وستصدر له قريبا مختارات شعرية بعنوان: «الطريق إلى البيت».
«الدستور»، التقت الشاعر العريمي وحاورته حول تجربته الشعرية، وحول شؤون القصيدة والنقد وقضايا أخرى فكان هذا الحوار.
] عن البدايات، لكل شاعر نقطة احتراق، متى أخذتك القصيدة بوهجها؟
– منذ ما.. لا أدري، كل الذي أعرفه أن حالات برق كانت تضيء بداخلي منذ الطفولة ولست أدري بالتحديد في أي وقت كان ذاك، وليس من السهل على الشاعر أن يحدد نقطة احتراق ومسافات بعينها، إن لحظة الكتابة هي لحظة استدعاء لكل ما مرَّ وما سيمرَّ، والموتُ الشعري أو ما نسمِّيه بالقصيدة هو بيت يوسِّعه الشاعر كما يشاء أو يضيِّقه كما يشاء.
] بعد اصدارك أكثر من مجموعة شعرية، هل قلت ما تريد، وماذا تريد من القصيدة؟
– بكل تأكيد قلت ما كنت أريد قوله لحظة الكتابة ذاتها وما يتعلق بها، ولكن ليس كل ما أريد، فالشعر هو الطريقة الأمثل لنقول به ما نريد في الوقت الذي نريد وبالطريقة التي نريد، فأما ما نريده من القصيدة هذا سؤال صعب، فكيف لنا أن نحدد ما نريده من موتنا الجميل، إن ما أريده من القصيدة داخل هذا العالم هو أكبر من العالم نفسه يقول المتنبي: «يَقُولونَ لي ما أنتَ في كلّ بَلدَةٍ / وما تَبتَغي؟ ما أبتَغي جَلّ أن يُسْمى»، وقد تسرب حوار كان بيني والشاعر الكبير محمود درويش رحمه الله حين قلت له: إنك الآن تقف على الكرة الأرضية والكرة الأرضية تدور من تحتك فماذا تريد؟ حينها أجاب الشاعر درويش قائلا: هذا سؤال صعب، سؤال صعب وهو من هو.
] القارئ لشعرك يلحظ ثمة بناء حواري إنساني يشتبك مع المعطى اليومي، وأثر للمكان وذاكرته وكذلك البحر، برأيك هل استطعت أن تستنطق المكان وتؤنسنه في شعرك؟
– الشاعر يلتحم بهذا الواقع بكل تناقضاته وتقلباته، بكل لهيب شموسه وبرد مساءاته حتى يتشابك مع أنسجته ويصبح جزءا من كريات دمه الساخن، ليخرج من مساماته عالما آخر ويصوغ منه كائنا يحمل في يديه حقيبة ملآى بأقواس قزح يسمى القصيدة، أما المكان ومعطياته فهو امتداد للجسد البشري وأحاسيسنا تسري في كل شبر ومن الصعب أن ندرك أي الأشياء تحقق العنصر المكاني للقصيدة، فقد يكون اللامكان هو المكان أحيانا، واللازمان هو الزمان الذي يحتوينا. يتعذر عليّ بنظرة عجلى أن أفهم هذه العلائق مع المكان، ولكن ما يقود إلى هذا الحوار الإنساني مع المعطى اليومي ربما يكون سببه هوأنني متوحد مع الطبيعة إلى درجة التماهي، فالبحر أبجدية أنطق وأكتب بها، والرمل مسامات تنفس، والشجرة ورقة خضراء تشتعل فيها الحرائق الشعرية وتبقى خضراء كما هي، العصافير بيت أسكنه ويسكنني، المدن التي تقف على حياد إزاء الشعر ولا تمنحني حق الغناء معها تتمعدن وتموت، ما أعرفه هو أن ذاكرتي المكانية والزمانية كلها تحضر لحظة الميلاد كامرأة طاغية الإغراء لتشاركني سرير الشعر فتنطق من خلالي كل الأشياء بما تريد ولا أستنطقها أنا، وخير لنا أن تُشعرنا الأشياء بدلا من أن نؤنسنها نحن.
] تم ترجمت بعض قصائدك إلى لغات أخرى، هل أنت راض عن الترجمة، وهل الترجمة خيانة للنص الشعري كما يقال؟
– الترجمة بشكل عام قاتل محترف، ولكن لا بد من هذه التهمة كي يتحقق للشعر والأدب سفره الدائم بصفته كائنا كونيا لا يحمل أوراق سفر تحدده جغرافيا، ولكن بشكل خاص لا أسعى إليها، فإن كانت فهي لن تضيرني، وإن لم تكن فقد نجت القصيدة من الخيانة المشروعة.
] الشعر والنقد توأمان، هل استطاع النقد أن يواكب العملية الإبداعية، وهل أنصفك النقد؟
– النقد في العالم العربي بشكل عام لا يمكنه أن يواكب الشعر، ولسوء حظنا ربما لا يوجد ناقد حقيقي يمكنه أن يتخلص من ذاتيته ومشرطه حين يقرأ، إلا من رحم ربي. عموما النقد لا يهمني سواء كان بالمدح أو الذم، سمعت عن بعض ما كتب، لكن هذا الأمر لا يعنيني كثيرا، فالاهتمام به لا يحدد وجهتنا بل يشتت أذهاننا ويأخذنا إلى منطقة أبعد ما تكون عن الشعر والإنسان.
] برأيك أنتجت الثورات والحراك العربي أدبا حقيقيا يشار إليه في مستقبل الأيام؟
– أية ثورات؟ وأي حراك عربي؟ وأي أدب هذا الذي سيشار إليه تحت سماء تمطر دماء وعلى أرض تنبت جثثا.. دعنا من هذا، على الشاعر فقط أن يضيء بواقعية مستحيلة وخيالية ممكنة مساحات الراهن ويمدّ يده لخيمة الآتي كي تكون الرؤية ممكنة، وليس مهمته أن يكون مصلحا أو مقاتلا، وليست وظيفته أيضا أن يملأ السلة بعدد أكبر من الرداءة اللغوية.
] ماذا عن الجديد في مهرجان أثير الشعري لهذا العام؟
– يتم الإعداد والاشتغال على الدورة المقبلة للمهرجان ودراسة إمكانية دمج جائزة أثير الشعرية بعد تطوير رؤيتها مع مهرجان أثير للشعر العربي لهذا العام. عن صحيفة الدستور