من المفيد والمهم أن تتجدد مطالبات السياسيين باستعادة وزارة الشباب، ومنح موضوع الشباب اهتماماً استثنائياً من قبل الدولة، لما له من أهمية وخطورة على السواء.
لكن، في المقابل، لا نريد عودة وزارة الشباب فقط ضمن العقلية التقليدية أو كهيكل مؤسسي وشكلي، بلا تغييرات جوهرية وعميقة في العقلية الإدارية والسياسية للدولة. ما نريده هو إعادة النظر جذرياً في الاستراتيجيات والسياسات الرسمية في مقاربة هذا الموضوع.
ليس الموضوع فقط وزارة، بل الشباب أنفسهم، في بلد يمور بنسبة متميزة ونوعية من العقول الإبداعية، من الشباب أو المشروعات الناجحة التي أثبتت فعالية بموضوع الشباب. فالشرط الأول هو وجود شخصية لها تجارب نجاح وتميّز في التعامل مع موضوع الشباب. والشرط الثاني هو تسلّم نخبة من الشباب لمؤسسات ووزارات على صلة بالثقافة والتربية والتعليم والمجتمع، مثل الثقافة والتربية والتعليم والأوقاف والتنمية الاجتماعية والتعليم العالي، ما يساعد على إدماج الشباب في مشروعات ومسارات ناجحة وإيجابية، بدلاً من حالة الفراغ الراهن الخطيرة، التي دفعت بنسبة كبيرة إلى عالم التطرف والإرهاب أو الجريمة أو المخدرات.
هذا الموضوع، أي الشباب، لم يأخذ اهتماماً حقيقياً لدى صناع القرار، ولم يحظ بتمويل حقيقي، ما يستبطن تجاهلاً حقيقياً لأهميته وتأثيره. فلو نظرنا إلى تقرير “الغد” عن المنحة الخليجية في العام 2015، إذ أنفق ما قيمته 559 مليون دينار على مشروعات مختلفة، فسنجد أنّ المدارس والجامعات نالت قسطاً معقولاً منها، لكنّه ليس كافياً. فالمطلوب زيادة أكثر في موضوع البنية التحتية للمدارس، وتطوير مناهج التربية والتعليم، وتحسين المرافق الثقافية في المحافظات نوعياً، مثل المكتبات والمسارح والفنون، والإنفاق على هذه المجالات بما يخدم الجيل الجديد، ويؤهله ليكون قادراً على الإبداع والإنجاز.
من الضروري أن نرى عقولاً جديدة، أكثر شباباً وانفتاحاً وتطوراً، وقراءة لما يحدث من تحولات في العالم، في مطبخ السياسات العامة، في تطوير مناهج التربية والتعليم، والجامعات والتعليم العالي، وفي الثقافة، وفي إدارة شؤون الشباب، وفي التفكير بمنظور منهجي جديد تجاه التنمية الاجتماعية!
كنّا تحدّثنا، سابقاً، على الصعيد الشبابي عن مبادرات مهمة، أحدثت فرقاً نوعياً، مثل نادي الإبداع في الكرك، الذي تحوّل إلى صرح وطني؛ ومؤسسة روّاد التنمية، التي أصبحت مؤسسة إقليمية تنموية، فلماذا لا نستقطب القائمين على هذه المؤسسات ليصبحوا وزراء في الفريق الحكومي؟
من الطريف أنّ نجد، بدلاً من ذلك، الحكومات ومؤسسات أخرى في الدولة بدأت تميل إلى “الجيل القديم” من السياسيين، حتى إن أحد المسؤولين تندّر على ذلك بالقول إنّ من يريد أن يكون مسؤولاً مهماً اليوم، فعليه أن يدخل نادي “البروستات” (أي كبار العمر). مع ذلك، فليس خطأ الاستعانة بأصحاب الخبرة التاريخية والسياسية، لكن على أن يكون هناك حضور ملحوظ وحقيقي للشباب المؤهل في مؤسسات الدولة المختلفة.
بالضرورة، ليس المقصود هنا الشباب عمراً فقط، بل “العقلية النقدية” التي يتمتع بها هؤلاء الشباب، أو عقلية الجيل الجديد المبدع، الذي يؤمن بالتغيير بإحداث الفرق المطلوب، أو بعبارةٍ أدق الثورة في إدارة ملفات الشباب والثقافة والدين والتربية، والسير بقطار الدولة على سكّة المستقبل، بعقلية واعية، وبعد تجارب ناجحة وناجعة!
من المفيد أن نهتم بكتاب الأسرة وأن ننشره، لكن قبل ذلك من المهم أكثر أن نعزز روح البحث العلمي والإنتاج المعرفي لدى الشباب، وإجراء منافسات حقيقية في هذا المجال. وقبل هذا وذاك، أن نوفر البنية التحتية من المكتبات وأدوات البحث العلمي، في مراكز ومؤسسات الشباب المختلفة.