بدا وكأننا في مزاد على الثلج؛ الشاكر فوق 600، فيرد سماوي تحت 500. موقع تنبؤات رفع سقف التوقعات مبكرا، عندما أكد أن سماكة الثلوج ستتعدى المتر في بعض المناطق.
لم تصمد التوقعات ليلة الأحد على الإثنين. فقالوا: انتظرونا في الليلة القادمة؛ سنطمر بيوتكم وشوارعكم بالثلوج، “هدى” على ضخامتها ستكون بمثابة الشقيقة الصغرى للعاصفة الموعودة.
نام الأردنيون على أمل أن يفيقوا على “طاسه بيضاء”، فينالوا من الحكومة عطلة إجبارية. لكن حتى في الأمور الخارجة عن إرادة البشر، تفوقت الحكومة؛ فلم يحمل صباح الثلاثاء غير الانجماد في بعض المناطق، وزخات من المطر والثلج لا تعيق تنقل القطط في الشوارع.
محافظات الجنوب، والكرك على وجه التحديد، أنقذت شيئا من مصداقية “المنجمين”؛ الثلوج تساقطت هناك بكثافة أكبر من سائر محافظات المملكة. وأقرت مديرية الأمن العام بأن طرق المحافظة الرئيسة والفرعية مغلقة حتى العاشرة صباحا بسبب تراكم الثلوج.
لكن الحكومة تجاهلت حالة المحافظة ولم تتنازل عن واجب الدوام لموظفيها؛ فما دامت عمان بخير فكل محافظات المملكة بخير.
فوضى التوقعات وضعت الأجهزة الرسمية في حيرة من أمرها، فاضطرت في نهاية اليوم إلى إعلان حالة الطوارئ القصوى بعد تردد. وكانت تخشى بالفعل أن تواجه اختبارا صعبا في الشارع، لكن الله لطف بها، فصرف الرأي العام النظر عنها، وصب غضبه على مراكز الرصد التي وضعتنا لأيام في أجواء الأسكيمو، وبالنتيجة لم تزد سماكة الثلوج عن تلك التي تساقطت
على مناطق في السعودية قبل أسابيع.
وسائل إعلام تتحمل جانبا من المسؤولية أيضا؛ فقد بالغت في عرض أخبار الطقس، وتلاعبت بالكلمات، ودخلت في لعبة المزايدات، مع معرفتها الأكيدة بأن الأخبار المتعلقة بالطقس عادة ما تجذب المتابعين، وتزيد من نسب الدخول على المواقع الإلكترونية.
عمليا، كنا أمام استثمار بمردود مجز؛ مراكز رصد للأحوال الجوية تباري كبريات المحطات العالمية، ومواقع إعلامية ترعى وتسوّق منتجاتها، وجمهور متلهف يتابع ويصدق ما ينشر من دون نقاش.
أعتقد أن ما حصل هذه المرة سيشكل نقطة تحول في موقف الرأي العام حيال تنبؤات تلك المراكز، التي تحاول جاهدة إنقاذ سمعتها بتبريرات غير منطقية. لكن لا يكفي انتظار حكم الجمهور؛ يتعين على الحكومة أن تأخذ زمام المبادرة، وتشرع في تنظيم سوق التنبؤات الجوية. وقد ترددت أنباء في اليومين الماضيين تشير إلى نية الحكومة اتخاذ خطوات بهذا المجال.
يمكن، على سبيل المثال، إعادة الاعتبار لدائرة الأرصاد الجوية، التي وجدت نفسها في منافسة مع مراكز خاصة تلقى دعما من طرف المسؤولين. وقد دفعت بها الحال إلى الدخول بمنافسة مع تلك المواقع في محاولة لتأكيد حضورها، فانجرّت إلى توقعات مبالغ فيها، على أمل استعادة مكانتها عند الجمهور والحكومة.
الدائرة في وضعها الحالي تقليدية للغاية؛ فهي غير حاضرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبث نشراتها بلغة فات عليها الزمن، وقد تحتاج إلى مخصصات مالية إضافية لتطوير قدراتها الفنية واستقطاب الكفاءات.
بالمحصلة، لا بد من عمل مدروس للخروج من حالة الفوضى.