سمعت قيادات المعارضة السورية في الرياض كلاما قاسيا من وزير الخارجية الأميركي جون كيري؛ لا مفاوضات في جنيف بل محادثات، وإذا لم تحضروا فأنتم الخاسرون. لن نقدم على التدخل عسكريا في سورية إلا لسبب واحد، وهو محاربة الجماعات الإرهابية. الأسد قد يترشح للانتخابات المفترضة بعد 18 شهرا.
حديث كيري وقع كالصاعقة على قادة المعارضة السورية، ووصف أحد مسؤوليها الاجتماع مع الوزير الأميركي بالكارثي.
الخلاف على تمثيل المعارضة، وإشكالية الوفد الثالث، حالت دون عقد جولة “المحادثات” في موعدها. الدبلوماسية الأميركية تعمل جاهدة لجمع الأطراف على طاولة واحدة خلال أيام.
لكن يستشف من كلام كيري في الرياض أن التفاهمات الأميركية الروسية حول سورية بلغت مرحلة متقدمة. المعارضة في وضع سيئ بفعل الضغوط الدبلوماسية الأميركية، وتبدل ميزان القوى في الميدان بعد تقدم قوات النظام السوري على أكثر من محور، خاصة في مناطق حلب واللاذقية، وبإسناد فعال من المقاتلات الروسية.
الخلاف المتصاعد بين السعودية وإيران يدفع بطرفي الأزمة في سورية إلى التشدد في مواقفهما. المعارضة السورية، وفي ضوء الخيارات المحدودة أمامها، قد تضطر للتوجه إلى جنيف تحت الضغط، وستجد في مقابلها وفد النظام يتصرف كمنتصر، ما يعني فشلا مؤكدا لـ”جنيف3″ ونهاية تشبه ما سبق من محاولات دبلوماسية.
لا خيار أمام واشنطن وموسكو سوى السير في جهود الحل السياسي للأزمة، عبر آلية جنيف. وثمة تفاهمات واضحة بين الطرفين حول هذا الموقف، وأكثر من ذلك إدراك مشترك بضرورة الضغط على أطراف الصراع لفرض الحل بقوة الدبلوماسية والنفوذ.
لكن مواقف المتصارعين على الطرفين، لم تنضج إلى هذا الحد، وليس في الوارد أن نشهد تحولا عن المقاربات المتشددة حيال بعضهما.
النظام السوري يتحدث عن حكومة وحدة وطنية لمرحلة انتقالية غير مشروطة، والمعارضة تسعى لمرحلة انتقالية تنتهي برحيل الرئيس السوري.
الولايات المتحدة تبنت التصور الروسي بعدم بحث مصير الأسد في هذه المرحلة، لضمان نجاح المحادثات. لكن الجانبين يتكتمان على ما اتفقا عليه للمستقبل، أي بعد 18 شهرا.
استمرار العمليات العسكرية في سورية، وفشل الأطراف في الاتفاق على وقف لإطلاق النار، يعقّد مهمة المبعوث الأممي والرعاة الدوليين. ولا يمكن للمرء أن يتصور محادثات ممتدة في جنيف، وترتيبات مشتركة لتشكيل حكومة وحدة وطنية، فيما جبهات القتال مشتعلة في كل بقعة سورية.
إننا في الحقيقة أمام محاولات يائسة لوضع جدول زمني ينهي الصراع في سورية. وفي حال فشلت جولة جنيف المقبلة، وهو الاحتمال المرجح بقوة حتى في حال انعقادها، فإن دورة العنف في سورية ستتواصل، وبوتيرة أعلى، مدفوعة برغبة أطراف إقليمية متصارعة بالانتقام وتصفية حسابات قديمة بينها.
شعور النظام السوري بعدم الحاجة لتقديم تنازلات، في ظل التقدم الميداني والدعم الروسي، وقناعة المعارضة بصعوبة تحقيق أهدافها عبر آلية التفاوض، وغياب الإسناد الأميركي، يحكم على المحادثات بالفشل إلى أجل غير مسمى.