حرمت العاصفة الثلجية مئات آلاف الأشخاص في العاصمة الأميركية واشنطن وضواحيها من الكهرباء، وألغيت مئات الرحلات الجوية، وتعطلت حركة النقل في 15 ولاية أميركية.
رئيسة بلدية واشنطن كانت صريحة مع مواطنيها، قالت بوضوح إن العاصفة كبيرة ومميتة ربما، وقد تتطور لتصبح بالغة الخطورة.
اتخذت البلدية وأجهزتها كل الاستعدادات الممكنة للتخفيف من تبعات العاصفة؛ ملايين أطنان من الملح الناشف والسائل، وأعلنت حالة التعبئة لدعم جهود السلطات الحكومية.
المهم في مثل هذه الظروف الجوية، عدم المبالغة في القدرات، “والكف عن استعراض العضلات”، فانقطاع الكهرباء متوقع بدرجة كبيرة، وتعطل حركة النقل والطيران وارد دائما.
الأردن في انتظار عاصفة ثلجية، تتابعها وسائل الإعلام باهتمام كبير منذ أيام، لكن يوم أمس السبت وقبل ساعات من الموعد المفترض لقدوم العاصفة، تضاربت تقديرات مراكز الرصد بشأن شدتها؛ البعض سماها “أم العواصف” ومواقع أخرى قالت إنها “زخات ثلجية” على المرتفعات العالية.
وبدا أن السلطات المختصة هي الأخرى في حيرة من أمرها، بسبب تباين التوقعات حول شدة العاصفة، فقد تجنبت أمانة عمان إعلان حالة الطوارئ القصوى كما درجت العادة في “ثلجات” سابقة، وربطت الإعلان بنشرات الطقس التي ستصدر عن دائرة الأرصاد الجوية.
وإزاء هذه الحالة ليس من خيار أمام المواطنين سوى انتظار ما ستجود به السماء، لكنهم في كل الأحوال احتاطوا لكافة الاحتمالات، وشنوا في اليومين الماضيين هجوما عاصفا على مراكز التسوق للتزود بالمواد الغذائية.
ومن خبرة العواصف السابقة، ثمة دروس يجب استخلاصها، أهمها التحلي بالواقعية عند عرض التوقعات الجوية من طرف مراكز الرصد ووسائل الإعلام أيضا، وعدم المبالغة من طرف السلطات في صرف الوعود عن التأهب والجاهزية. الكهرباء قد تنقطع لساعات طويلة عن آلاف المنازل، وربما المياه أيضا. ينبغي قول ذلك للناس مبكرا، كي لا يتفاجأوا من الانقطاعات، ويصبوا جام غضبهم على الشركات، وعلى الحكومة، تماما مثلما صارحت رئيسة بلدية واشنطن الناس بأسوأ الاحتمالات الممكنة.
المصداقية تبنى على الصراحة والوضوح، أما”الهشت” في الكلام، الذي لا يصمد أمام العواصف، فغالبا مايرتد على المسؤولين، شتما وتوبيخا.
وفي حالات جوية مماثلة، برزت حالات مشرّفة لمجموعات وأفراد بادروا إلى التحرك من تلقاء أنفسهم لمساعدة جيرانهم والسكان في مناطق إقامتهم. هؤلاء هم العون والسند للأجهزة البلدية والحكومية، ونأمل لو أن هناك آلية مفعّلة للتواصل والتشبيك مع هذه المجموعات لتنسيق الجهود في مثل هذه الظروف. لكن أخشى أن أحدا من المعنيين لا يكترث بأمرهم، ولا يعرف عناوينهم.
نحن اليوم في القرن الحادي والعشرين، ونسكن في القرية العالمية الصغيرة التي تضم مليارات البشر، وتتمتع بقدر هائل من المعرفة والتقنيات التي تؤهلها لاكتشاف كواكب جديدة، والتخطيط للإقامة على سطح المريخ، وتسيير رحلات مكوكية بين الأرض والسماء، لكننا مع ذلك كله نعجز عن الاتفاق على وصف دقيق لحالة الطقس، ونختلف في تقدير كميات الثلوج المتوقعة وغزارتها، فنعود إلى الوراء عقودا طويلة، لنستعين بخبرة الأجداد في توقع “الشتوات”، ومواسم الثلج والبرد.
نحن في قلب العاصفة ولا نكاد نخرج منها.