بالرغم من حجم الكارثة الكبيرة التي وقعت في سورية، وما نراه من مشهد دموي وقتل وخراب وتدمير للمدن والعائلات، فإنّ الأخطر لم نره بعد؛ أي ما يتعلّق بالأطفال السوريين، أو الجيل الجديد الذي وُلد وعاش في ظل هذه الحرب الداخلية الطاحنة، سواء من كانوا في الداخل، تحت وصاية “داعش” أو “النصرة” أو الفصائل الشبيهة، الذين من المحتمل أن يصبحوا غداً جيلاً داعشياً أكثر شراسة ووحشية مما نراه اليوم، كما كتبتُ مراراً، أو أولئك الأطفال الذين وُلدوا في المنفى وظروف الهجرة القسرية التي حدثت!
هناك العديد من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذا “الجيل”، بخاصة الأطفال اللاجئين والمهجّرين إلى دول الجوار. لكنّني أقف، هنا، عند مقالين متخصصين مرعبين؛ الأول لمهى يحي ومايا زريق (منشور على موقع مؤسسة “كارنيغي”) بعنوان “إنقاذ الجيل الضائع في سورية”. وهو وإن كان مخصصاً للأطفال السوريين في لبنان، إلاّ أنّ ما ينطبق عليهم هناك من وقائع ومآس، يتشابه كثيراً مع الحالة الأردنية!
تتحدث الكاتبتان في بداية المقال عن وجود قرابة 2.8 مليون طفل سوري هم الآن خارج المدرسة، على العموم، وعدد هؤلاء في لبنان حوالي 400 ألف طفل في سن الدراسة، تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة، التحق منهم فقط 30 ألفا بالمدرسة، بينما أغلبيتهم لا تستطيع لأسباب مالية القيام بذلك. كما أن أغلبهم يعمل ضمن مهن أوّلية، ما يعرضهم لشتى أنواع الصعاب والأزمات والمشكلات النفسية والاجتماعية، وبما قد يخلق منهم متطرفين أو مجرمين في نهاية اليوم!
مقارنة ما نعرف في الأردن، بما تحدث عنه المقال في الحالة اللبنانية، يجعل الوضع أفضل نسبياً؛ فالأرقام المتداولة للأطفال السوريين الذين التحقوا بالمدارس لدينا أفضل بكثير؛ كما أنّ شبكة الدعم الاجتماعي أكثر فعّالية وقوة، والمجتمع أكثر تضامناً معهم، وسوق العمل تمنح العائلات المهجّرة فرصاً جيدة للتغطية على الحدّ الأدنى، والجمعيات الأهلية العاملة تساعد كثيراً.
لكن بالرغم من كل ذلك، هناك مؤشرات مقلقة؛ سواء على صعيد التسرّب من المدارس أو عمالة الأطفال، أو الزواج المبكّر، أو التفكك الأسري، ما يجعل من وجود مؤسسات معنية بصورة كاملة بدراسة وتحليل مجتمع الأشقاء اللاجئين السوريين في الأردن، وحلّ المعضلات المرتبطة بهم، أمرا في غاية الأهمية، لحمايتهم أولاً، وحماية المجتمع ثانياً، في حال -وهو الأغلب- طالت إقامة نسبة كبيرة منهم في مجتمعنا.
أمّا المقال الثاني فهو المنشورة ترجمته أمس في “الغد”، بعنوان “الآثار الطويلة للجوء السوري: ظهور جيل غير مرئي”. إذ تتحدث كاتبة المقال فيونا وونغ، وهي متخصصة في هذا الموضوع، عن مشكلة كبيرة يواجهها هؤلاء الأطفال، وتتمثل في أنّهم لا يمتلكون شهادات ميلاد ولا جنسية، ووصف أحدهم نفسه بأنّه “غير مرئي”. وترى الكاتبة بالرجوع إلى قانون الجنسية السورية أنّ هذه المشكلة كبيرة جداً، ستعاني منها نسبة كبيرة من الأطفال الذين ولدوا بعد العام 2011، بخاصة في الهجرة، إذ إنّ هناك 50000 طفل سوري ولدوا في المنفي منذ بدء الصراع العام 2011. وتقدر ما نسبته
25 % من أبناء اللاجئين السوريين بأنهم من دون آباء، نظراً لأن العديد من الآباء قد ماتوا أو فقدوا أو انفصلوا عن عائلاتهم.
ففي الهجرة والغربة تكون علاقات الزواج والاستقرار مضطربة، وفي جزء كبير منها غير قانوني. وهذا ما يستدعي الانتباه له في الأردن، والقيام -منذ الآن- بتوفير أدوات قانونية وإدارية واجتماعية للتعامل معه.
موضوع اللجوء وتداعياته القانونية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية يستحق دراسات معمّقة، وتطويرا جوهريا لاستراتيجيات التعامل معه، في ضوء هذا الحجم من الاضطرابات والأزمات والهجرات التي تسحق الدول والمجتمعات العربية.