السيد فيليبو غراندي؛ المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، متحمس كثيرا لمنصبه الذي تسلمه حديثا، ويريد أن يبدأ مع الأردن من نقطة الصفر في موضوع اللاجئين. باختصار، يطمح السيد غراندي إلى أن يوافق الأردن على زيادة أعداد اللاجئين السوريين الداخلين إلى المملكة، “من دون أن يؤثر ذلك على الوضع الأمني في الأردن”! بعبارة أخرى، يريد المفوض السامي أن يكرم على اللاجئين السوريين على حساب الأردن.
السيد غراندي يأتي متأخرا ثلاث سنوات على الأقل، استقبل الأردن خلالها ما يقارب المليون ونصف المليون لاجئ سوري، غادر بضعة آلاف منهم إلى دول غربية، أو عادوا من جديد إلى بلادهم.
خلال السنوات هذه، بلغت نسبة اللاجئين أكثر من 20 % من سكان المملكة، ولم يقدم المجتمع الدولي سوى 36 % من كلف إقامتهم، فيما تكفلت خزينة المملكة بالحصة الأكبر من التكاليف.
يرغب السيد غراندي في أن يزيد الأردن أعداد القادمين من اللاجئين السوريين أكثر، كم مثلا؟ ألف.. ألفان في اليوم؛ لفترة محدودة أم مفتوحة؟ ماذا إذا استمرت الأزمة في سورية خمس سنوات أخرى، هل يبقي الأردن أبوابه مفتوحة طوال الوقت؟
هذا يعني انتقال ملايين السوريين إلى الأردن. كيف سيكون الوضع الأمني حينها؟ أعتقد أن السيد غراندي لن يكون قادرا ساعتها على زيارة الأردن وتفقد مخيم الزعتري.
لنكن منطقيين غراندي؛ بلد محدود الموارد مثل الأردن، يواجه أخطارا من الجهات كافة، ويكافح لتأمين استقراره، لا يمكنه أبدا أن يترك “الحبل على الغارب” كما يقول المثل الشعبي.
ثم دعنا نسأل مع الاحترام: ماذا تحمل في جعبتك من مساعدات للأردن، مقابل طلبك استقبال المزيد من اللاجئين؟ عشرات المسؤولين الأمميين “ضحكوا” علينا قبلك؛ حضروا إلى عمان، وزاروا مخيم الزعتري، وأشادوا بكرم ضيافتنا، وأسبغوا علينا أطيب الصفات، ثم غادروا تاركين خلف ظهورهم وعودا بالملايين لم نر منها شيئا.
واضح من كلام غراندي وسواه من المسؤولين الغربيين أن هناك ضغوطا كبيرة على الأردن حاليا للسماح لأكثر من 12 ألف لاجئ يرابطون قرب الساتر الترابي على حدودنا مع سورية، بالدخول، مع استثناءات محدودة لاعتبارات أمنية.
صحيح أن حالة هؤلاء صعبة، ووجودهم في منطقة صحراوية وسط هذا الطقس البارد أمر يفطر القلوب. لكن هذه ليست مشكلة الأردن، ولم يتسبب بها، ومسؤولية رعايتهم تقع على عاتق الجميع، وهيئات الإغاثة الدولية. هناك أفكار واقتراحات كثيرة على الطاولة لمساعدتهم والتخفيف من معاناتهم غير التفكير بإدخالهم دفعة واحدة إلى الأردن.
إن للأردن طاقة استيعابية لا يمكنه تخطيها، وقد تخطاها بالفعل، وأصبح في وضع ديمغرافي حرج لا يستطيع معه الاستمرار في سياسة الحدود المفتوحة، ناهيك عن الوضع الاقتصادي الصعب والمؤشرات المقلقة عن استمرار الصراع في سورية لأمد غير معروف.
نفهم أن الحل في سورية ليس بيد السيد غراندي والأمم المتحدة، وهو كذلك ليس بيد الأردن، إلا إذا كان المجتمع الدولي يخطط لتفريغ سورية من أهلها كحل “جذري” للصراع. إذا كان التفكير على هذا النحو، فقد أخذنا حصتنا وزيادة عليها.