يشعر المرء بالانقباض وهو يطالع العناوين؛ “700 مليون دينار رساميل 30 شركة متعثرة”، “30 شركة نقل تنسحب من السوق المحلية”، “65 مليون دينار استثمارات شركات تعتزم الانسحاب من الأردن”.
هي ليست مجرد عناوين براقة لجذب القراء على حساب الحقيقة، إنما تفاصيل دقيقة تسندها تصريحات لمسؤولين، ولا تعدو أن تكون عينات لمشهد اقتصادي ينذر بالسوء.
في ردها على مناقشات النواب لمشروع قانون الموازنة، حاولت الحكومة تلطيف الصورة. وهناك بلا شك إيجابيات يمكن سردها، لكن مواجع الاقتصاد والاقتصاديين في تزايد.
لا جدال في التأثر السلبي للظروف الإقليمية المحيطة؛ الأزمة السورية الطاحنة، واستمرار إغلاق المعبر الحدودي مع العراق، واضطراب الأسواق الخليجية بعد انهيار أسعار النفط. وقبل هذا وذاك، أزمة اللجوء، وحالة الفوضى في المنطقة التي تنفر المستثمرين ورجال الأعمال.
كلها بلا شك عوامل تضغط على أعصاب الاقتصاد الأردني، محدود القدرات أصلا. لكن يزيد الوضع سوءا البيروقراطية المتحكمة ببيئة الأعمال في الأردن، وعجز التشريعات عن مواكبة التطورات والتكيف مع المتغيرات، وجمود العقليات المتحكمة بصناعة القرار الاقتصادي، وغياب المبادرات الخلاقة.
لن نكيل التهم جزافا من عندنا، لكن الشكوى المريرة من طرف الفاعلين في السوق، تقدم الدليل تلو الدليل على صحة هذه الاستنتاجات.
ثمة محاولات عديدة لتصويب الاختلالات، لكنها غير كافية لإحداث الفرق المطلوب ووقف نزيف الاستثمارات.
الدولة بحاجة لاستثمارات بمئات ملايين الدنانير لخلق فرص عمل جديدة، والوفاء بتعهداتها خفض معدلات البطالة والفقر. لكن ما يحدث هو العكس؛ نخسر استثمارات قائمة، ومعها يفقد المزيد من المواطنين مصدر رزقهم.
والمثير للاستغراب في سلوك صناع القرار الاقتصادي أنهم مثلنا تقريبا؛ لا يشعرون بأوجاع المستثمرين إلا عندما يبدأون بالصراخ، ويشرعون في إغلاق مصالحهم تمهيدا للرحيل.
كان هذا بادياً في ردة فعل مسؤولين على اعتزام شركات أجنبية مغادرة الأردن، واحتجاج أصحاب “المولات” وتهديدهم بالإغلاق، وسواهم من المنكوبين في السوق.
يبدو أن وزاراتنا ومؤسساتنا المعنية لا تملك قنوات استشعار المخاطر قبل وقوعها، أو أنها في حالة قطيعة مع التطورات من حولها، ولا تحوز على تقديرات مواقف مستمرة لتغيرات السوق والاحتمالات المترتبة على بعض سياساتها وقراراتها.
إدارة القرار الاقتصادي تعيش في أزمة مزمنة ومستعصية. والتغيرات التي حصلت وتحصل على تشكيلتها لم تغير في واقع الحال شيئا.
والمرجح أن الأزمة تتعدى الأشخاص كما أشرنا آنفا؛ ثمة حاجة لثورة في التشريعات والسياسات، لتحريرها من ثقافة الخوف التي صاغتها. تشريعات تدشن مرحلة المصالحة بين الدولة ومجتمع رجال الأعمال، وبين المجتمعات من جهة والمستثمرين من جهة أخرى.
إمارة دبي التي يعد نفط الإمارات مصدرا من مصادر ثروتها، أعلنت قبل يومين أنها ستحتفل بآخر برميل نفط تصدره، بعد أن أصبح جل اقتصادها يعتمد على مصادر بديلة.
لسنا دولة نفطية. ولأننا كذلك، فإننا أحوج من دبي لتعظيم مصادر اقتصادنا الوطني وتنميته، كي يصبح قادرا على مواكبة التحولات الجارية.
نتائج التعداد السكاني الأولية مرعبة بحق؛ فسكان المملكة زادوا بمعدلات مخيفة. كيف يمكن احتواء التداعيات المترتبة على هذه الزيادة باقتصاد ضعيف وكسول، يطرد الاستثمارات ويغلق أبواب العمل؟ كيف لنا أن نصمد؟