بينت النتائج الأولية للتعداد العام للسكان لسنة 2015 أن عدد الأردنيين 6.6 مليون بينما اللاجئون والمهاجرون والوافدون 3.1 مليون نسمة أو ما يقرب من 1غير أردني لكل 2 أردنيين وهي نسبة مرتفعة ومربكة للغاية. كما بين التوزيع السكاني أن محافظة العاصمة تضم 4 ملايين نسمة وهي أقل قليلا من نصف السكان وهذا الرقم أكبر بكثير من استطاعة مرافق المدينة وإمكاناتها، ما يقتضي إعادة نظر شاملة في كل مفردة من مفردات العاصمة.
وبقدر ما تعبر هذه الأرقام عن الموقف العروبي والإنساني المتميز لبلدنا العزيز، ووقوفه مع أبناء العروبة الذين دفعتهم ظروف لا إنسانية في بلادهم إلى اللجوء إلى الأردن، بقدر ما يتبين لنا صعوبة الموقف وتعقيداته المستقبلية. ذلك أن هذه الأرقام غير الاعتيادية تفرض عددا من المشكلات والتحديات التي لا بد من مواجهتها والاستعداد لها
أولاً: الأعداد . لا تزال أعداد اللجوء غير مستقرة، وهي مرشحة للزيادة على ضوء غياب المؤشرات الإيجابية للوصول إلى حلول، سواء لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي القبيح لفلسطين، أو للحروب الأهلية في سوريا و العراق واليمن و ليبيا .
ثانيا مدة اللجوء. على ضوء الإحصاءات العالمية، من المتوقع أن تستمر إقامة غير الأردنيين لفترة لا تقل في المتوسط عن 17 سنة بغض النظر عن بلد الأصل بما في ذلك العمالة الوافدة . و من المتوقع أن يتبقى 50% منهم بشكل دائم و بكل التبعات و المسؤوليات السياسية و الإجتماعية لهذا البقاء.
ثالثا: المياه. أدى هذا العدد الهائل إلى انخفاض نصيب الفرد من المياه إلى ما يقرب من 90 مترا مكعبا سنويا،أي أقل من 10% من المعدل العالمي وهو ثاني الأقل في العالم تقريباً. وأصبحنا نرى مناطق وقرى لا تصلها المياه منتظمة لأسابيع أو أشهر. إن المحافظة على هذا المعدل المتواضع جدا يحتاج إلى زيادة سنوية في مصادر جديدة للمياه لا تقل عن (30) مليون مترا مكعباً.
وهذا يتطلب برنامجا وطنيا متماسكا ومستمرا لزيادة المصادر يقوم على تحلية المياه بالطاقة الشمسية والتوسع العلمي الجاد في الحصاد المائي، وإنشاء السدود وتطوير وتوطين تكنولوجيا الاستمطار و إعادة تدوير المياه و توليد و حفظ المياه، وتحسين أساليب الري في الزراعة وغير ذلك الكثير.
رابعا: الأمن الغذائي . فارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية نتيجة لزيادة الطلب مسألة بالغة الخطورة على الأمن الاجتماعي.ألأمر الذي يستدعي تفعيل “ اللجنة الوطنية للأمن الغذائي” بمنظور جديد والاقتراب من الموضوع بما يستحق من جهد . إن الإشكال في الغذاء ليس مجرد توفره ، وإنما قدرة المواطن على شرائه وتحمل أسعاره.
خامساً: الطاقة. ولا بديل هنا عن التوسع الخالي من العقبات الإدارية في الطاقة البديلة ،وخاصة الطاقة الشمسية و الرياح، وأنظمة التخزين في كل مكان و خاصة للمناطق الفردية والمعزولة، إضافة إلى تطوير المصادر المحلية الأخرى كالصخر الزيتي والغاز.
سادساً : النمو الاقتصادي إن معدلات النمو الإقتصادي المتواضعة جداً 2.5% إذا استمرت تعني انخفاضاً متواصلاً في نصيب الفرد وبالتالي زيادة مساحات الفقر والبطالة . وهنا يكمن التحدي للحكومة وإداراتها .كيف يمكن تحقيق نمو اقتصادي 6% أو 7% ،و هو الحد الأدنى اللازم لتحسين أوضاع 80% من المواطنين، مع هذا الانفجار السكاني الهائل. سابعا: البطالة. إن قوى العمل غير الأردنية يزيد حجمها عن (1) مليون فرد، وهو رقم هائل بالنسبة لحجم السوق وعدد السكان. وما لم تكن هناك برامج جادة لتصنيع الاقتصاد الأردني، وتوليد فرص عمل جديدة، فإن أزمة البطالة ستتفاقم إلى درجة حرجة، خاصة وأن عدد العاطلين عن العمل اليوم وصل (220) ألف من الأردنيين.
وعليه سيكون هناك بطالة وفقر مزدوج أحدها للأردنيين وثانيها لغير الأردنيين
ثامناً: الجريمة والمخدرات . فوجود هذه الأعداد الكبيرة التي أصبحت تتخلل الجسم الاجتماعي وخاصة في العاصمة والقرى من شأنه أن يخلق بيئة جاذبة للجريمة الفردية و المنظمة، وبيئة لتعاطي وتجارة المخدرات. و هذا يستدعي وضع برامج خاصة في مقدمتها الأمن و التوعية و تغليظ العقوبات.
تاسعا: الصحة والتعليم والنقل وهذه الخدمات الرئيسية سوف تعاني الكثير من الارتباك والنقص. كما وتتطلب أفكاراً إبداعية في مواجهتها و تنظيمها و تمويلها، وبرنامجاً لكل منها يختلف عن المسيرة التقليدية.
عاشرا: التحديات والفرص . إن تعقيدات المسألة بمرور الزمن ووجود هذه الأعداد الضخمة من اللاجئين والزائرين، يحتم علينا أن نحول هذه التحديات إلى فرص يمكن استثمارها. فهناك قوى عاملة مدربة بين اللاجئين لا يجوز أن تترك لتحل محل العمالة الأردنية بالتسلل والتسرب و “التسحسل “. و إنما لابد من تحويل جزء من المساعدات لخلق مشاريع جديدة، صناعية و زراعية و حرفية كثيفة الاستخدام للأيدي العاملة، لتنخرط فيها هذه المئات من الآلاف. وفي الوقت الذي يشيد كل مواطن و يثني على جهود القوات المسلحة والشرطة والدرك والأجهزة الأمنية المختلفة، بحفظ الأمن والسلامة في البلاد ، و تقديم التضحيات الكبيرة ،إلا أن مسألة اللاجئين ووجود أكثر من 3 مليون إنسان بعادات وثقافات وارتباطات مختلفة، تتطلب التفافا شعبيا حول الجيش والأمن، و أعمالا ومشاريع إضافية تدعم تلك الجهود ، خاصة وأن اتساع نطاق الجريمة وأهمها المخدرات سيكون أحد المعالم الرئيسية لهذا التواجد الكثيف. إن التعامل المستقبلي الرؤية مع ملايين اللاجئين بالعلم والعقل و الحكمة، يستدعي إنشاء “الهيئة الخاصة للاجئين” تتولى المتابعة الاجتماعية الاقتصادية للمسألة، إضافة إلى دراسة الجوانب المختلفة التي تؤثر في المجتمع و في اللاجئين أنفسهم، من صحة إلى تعليم إلى تشغيل إلى غذاء إلى امن إلى ثقافة، وتقدم مقترحاتها إلى الحكومة حتى تأخذ القرارات الصحيحة في الوقت الصحيح.
و في الوقت الذي يتطلب الأمر الوعي واليقظة من أي غدر إسرائيلي لخلط الأوراق ، وإجبار مزيد من الفلسطينيين على اللجوء، فإن الأعداد التي تدفقت في ظل شح الموارد الطبيعية و تواضع الإنتاجية جعلت العبء الناشئ عن الهجرة و اللجوء ، أعلى بكثير من “الاستطاعة التحملية للأرض”. ولا سبيل للتوفيق بين الحمل السكاني الثقيل وبين الاستطاعة التحملية للأرض الأردنية إلا من خلال السياسات المدروسة،و مدخلات العلم والتكنولوجيا المكثفة في كل مرفق ، وتوظيفها في مشاريع إنتاجية تخدم الصناعة والزراعة و السياحة وتعوض نقص الموارد الطبيعية.
إن مستقبل الأردن وهو يستضيف هذه الأعداد ليس بالرحلة السهلة. فمتطلبات الحياة والاستمرار مع المحافظة على الأمن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي أعقد بكثير من أن تؤخذ بالنمط التقليدي للتفكير والتدبير وصنع القرار والإدارة.