منذ اليوم الأول، لم تكن إدارة التعداد السكاني العام كفؤة بالقدر الملائم للحدث. أول المطبات التي واجهت الجهات المعنية بهذا الخصوص تعلق بورود اسم “إسرائيل” ضمن أسئلة التعداد.
القصة كُشفت من قبل معلمين في الكرك، كانوا ضمن الموظفين المكلفين إجراء التعداد. وقد جاءت ردة فعل إدارة التعداد اتهامية، بلغة بدت غريبة، من قبيل أن طرح هذه المسألة هو تدمير لعمل وطني، ومؤامرة، وسوى ذلك من كلام إنشائي بعيد عن الإجابة النموذجية بشأن قضية اقتصادية اجتماعية بحتة.
هكذا، كادت هذه النقطة تطيح بالعملية، لولا أن الناطق الرسمي باسم التعداد مخلد العمري، بادر إلى تقديم إجابة علمية وعملية، وأكد خلالها أنه سيتم شطب “إسرائيل” من الأسئلة.
وإذ تم تجاوز المطب الأول، فقد ظهر المطب الثاني الذي يعكس سوء التخطيط، وتمثل في “أغنية التعداد” التي قدمت المخطط الأردني لمسألة فنية مهنية غاية في الدقة، باعتباره أشبه بمن يسعى إلى تنفيذها وفق مبدأ الفزعة الذي ينم عن عقلية قديمة أكل عليها الدهر وشرب!
فبدلا من تقديم خطاب رسمي يقنع الأردنيين بأهمية التعداد على صعيد حاضر حياتهم ومستقبلها، كما مستقبل أبنائهم، جاءت الأغنية لتستفزهم وقد رأوها تكشف استخفاف الحكومة بهم، وهي التي أسقطت من حسبة إدارة التعداد خطابا منطقياً، عمليا وعلميا، لإنجاح العملية التي تُجرى كل عشر سنوات. ومن ثم، لقيت الأغنية منسوبا عاليا من السخرية والرفض، ليس ممن أداها، بل ممن فكر فيها ونفذها باعتبارها جزءاً من خطة رسمية لتنفيذ التعداد العام!
المطب الثالث كان العطلة الرسمية المفاجئة، بغية إرغام الناس على البقاء في منازلهم. وقد كان لهذه الغاية أن تتحقق لو قدمت الحكومة خطاباً مقنعاً حول أهمية التعداد لاسيما للتخطيط المستقبلي للمجتمع. لكن مفاجأة العطلة كانت نتيجة إدراك الحكومة أن الناس لم يأخذوا التعداد بجدية، كونها فشلت في خلق المصداقية الكافية لتنفيذه بسلام.
عن يوم العطل الرسمية قيل الكثير، لعل أبرزه أن العديد من الموظفين المكلفين بإجراء التعداد لم يقوموا بالمهمة، بل إن بعضهم أوكلها لأبنائه! كما انتشرت قصص عن تعطل البرامج الإلكترونية التي حملتها الأجهزة اللوحية الرقمية، بما أعاق العملية. ولا يغيب هنا تصريح كثيرين بعدم شمولهم بالتعداد، رغم كونه عاماً؛ يُفترض أن لا يستثني أحداً.
العقبة الأخرى التي لا يقتصر تأثيرها على التعداد العام، بل تطال أيضاً كثيرا من القرارات الحكومية، تتعلق بفجوة الثقة بين الحكومة والمواطن وحتى المقيم؛ إذ ما يزال الشك الشعبي في كل ما تفعله الحكومة أساسيا. ومن ثم، لم تكن غريبة أو غير متوقعة الإشاعات الكثيرة التي راجت حول الأهداف الحقيقية للتعداد. وفي المقابل، لم توضّح الحكومة هذه الأهداف بشكل ينفي تلك الإشاعات والشكوك، من قبيل وجود نية لاستخدام النتائج في فرض مزيد من الضرائب على السكان.
بالمحصلة، تم التعداد في ظروف متشنجة وساخرة، مع تشكيك في أهدافه. وهو ما يطرح سؤالاً كبيراً حول دقة النتائج الأولية والنهائية، وبالتالي توفير إجابات وافية، ضمنها الرد على معلومات تداولها مختصون ومسؤولون حول النتائج الحقيقية للتعداد.
ثمة رقم في النتائج الأولية التي أعلنت، يدعو للوقوف عنده ودراسته وتفسيره، كمثال واحد على دقة هذه النتائج، وهو الرقم المتعلق بعدد الأشقاء المصريين في المملكة. إذ أشارت البيانات الأولية إلى أن عددهم يبلغ 390 ألف نسمة، فيما سمعنا أكثر من مرة، من مسؤولين أردنيين كما من السفير المصري، أن عددهم يناهز 700 ألف شخص؛ فأين ذهب مئات آلاف المصريين خلال فترة التعداد؟! هل اختبأوا أم ماذا؟! مثل هذا الفرق بين النتائج والواقع يحتاج تفسيرا، حتى يثق المواطن بنتائج التعداد ككل، ويؤمن بالتالي بصحة ومصداقية الخطط الرسمية للاقتصاد خلال السنوات العشر المقبلة.