وصف النائب اليميني والعنصري في البرلمان الهولندي غيرت فيلديرز فوز السيدة المسلمة من أصل مغربي خديجة عريب برئاسة البرلمان الهولندي، بأنه “يوم أسود في تاريخ البرلمان”. كان فيلديرز مصدوما وهو يرى السيدة التي ما تزال حتى اليوم تحمل الجنسية المغربية، تعتلي كرسي الرئاسة في السلطة التشريعية. وأعتقد أن نظراء النائب اليميني في العالم العربي والإسلامي، وما أكثرهم، يشاطرونه مشاعر الصدمة والارتباك؛ ففوز خديجة عريب، العربية والمسلمة، يدحض صورة نمطية يسعون إلى ترسيخها عن الغرب الكافر المعادي لنا، وعن هولندا تحديدا بوصفها بلدا معاديا للعرب والمسلمين، وعن زيف الديمقراطيات الغربية وعجزها عن قبول الآخر؛ العربي والمسلم على وجه الخصوص.
فيلديرز وأمثاله في البرلمانات الأوروبية هم المفضلون بالنسبة للتيارات اليمينية والرجعية في العالم العربي. يودون لأوروبا كلها أن تكون على شاكلتهم، ليحشدوا في المقابل أبناء العروبة في الخندق المقابل، ويجنوا المكاسب الشعبوية من نشر الكراهية للآخر.
فوز خديجة عريب يفسد عليهم خطط الاستثمار في الكراهية والعداء، ويضعهم في اختبار قاس لا تحتمله مقارباتهم الفكرية والسياسية. ولهذا، يلوذون بالصمت، وهم في حيرة من أمرهم.
صعود اليمين في أوروبا مقلق وخطير من دون شك، لكنْ للمواطنين في تلك الدول قبل أن يكون لنا في العالم العربي. لو كان الأمر بيد نخبنا التعيسة، لدفعت أمولا لليمين كي يصعد أكثر وأكثر. غير أن قيم الديمقراطية العريقة والمواطنة المتأصلة في الثقافة الأوروبية، لم تكن لتسمح لهذه النعرات أن تسود وتحكم مجتمعاتهم.
بعد الجولة الأولى من الانتخابات المحلية الأخيرة، انتابت الفرنسيين موجة ذعر من صعود حزب الجبهة الوطنية اليميني، فانتفضت قيم الجمهورية في نفوس الفرنسيين في الجولة الانتخابية الثانية لتضع حدا لهذا الصعود.
لم يتردد النواب في البرلمان الهولندي من غير أعضاء حزبها في انتخاب السيدة خديجة لأرفع منصب برلماني، في لحظة فارقة تعيشها أوروبا؛ حيث يتدفق إليها عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين، ويضرب الإرهابيون من أبناء العروبة عواصمها، ويقتلون الأبرياء في الشوارع.
خديجة هي في التوصيف الغربي واحدة من أبناء الجاليات المغاربية التي تورط عدد من شبانها في معظم التفجيرات التي هزت باريس ومدن أوروبية أخرى. وهي تنتمي عرقا وثقافة لأولئك الشبان اللاجئين حديثا لألمانيا، الذين “غزوا” شوارع إحدى المدن الألمانية ليلة رأس السنة، وأقاموا حفلة تحرش جنسي يندى لها الجبين، بعد أسابيع فقط كانوا فيها بين الموت والحياة في مياه “المتوسط”.
لا هذا السلوك ولا ذاك حالا دون ترشيح خديجة وانتخابها لهذا المنصب. هل تكون قصة خديجة عريب حدثا خارجا عن السياق الأوروبي المرتاب والقلق من الآخر العربي والمسلم؟ ربما. لكن ذلك يتوقف على الطريقة التي نتعامل بها مع الآخر وليس العكس.
إذا أصرت نخبنا على رؤية أوروبا من خلال فيلديرز وأمثاله، فسنمضي في علاقة عداء يدفع ثمنها الطرفان. أما إذا كانت خديجة وأقرانها هم القدوة، فنكون على الدرب الصحيح.
لا أظن أننا بصدد تبني الخيار الثاني؛ فنحن اليوم نخوض حرب كراهية دموية ضد بعضنا البعض. أوطان تضيع وشعوب تفقد هويتها في حرب الطوائف والمذاهب والإثنيات، فكيف نستطيع أن نقبل الآخر البعيد عنا ثقافة وتاريخا، فيما لا نقبل بعضنا رغم التاريخ المشترك والثقافة الواحدة، ومئات السنين من العيش في وطن واحد؟