غرد تنظيم ولاية سيناء التابع لـ”داعش” متفاخرا بعد تفجير خط الغاز الرئيس في العريش المصرية أمس، بأنه “لن تصل قطرة غاز للأردن حتى يأذن أمير المؤمنين”.
صحيح أن خط الغاز المذكور يربط بين مصر والأردن، وكان المصدر الرئيس والوحيد للغاز لسنوات قليلة مضت، قبل أن يتوقف عن العمل مرات عديدة بسبب العمليات الإرهابية التي استهدفته. وبعد إصلاح الخط اعتذر الجانب المصري عن تصدير الغاز للأردن، لتراجع الإنتاج في حقول الغاز، وعدم كفايتها حتى لتأمين احتياجات مصر.
وما لا يعرفه التنظيم الإرهابي وأميره الجاهل أن الأردن لا ينتظر إذنا من أحد لاستيراد الغاز من مصر، لأنه وببساطة لا يستورد الغاز من مصر، بل يصدر الغاز لها عن طريق ميناء العقبة. فمنذ منتصف العام الماضي، أبرم الجانبان الأردني والمصري اتفاقا يستورد بموجبه الفريق الثاني ما لا يقل عن 150 مليون قدم مكعب شهريا عن طريق ميناء الغاز العائم “رصيف الشيخ صباح الأحمد” في العقبة، والتي يتم ضخها عبر خط الغاز الواصل بين البلدين. ولتسهيل العملية، تعاقد الجانب المصري مع نفس الجهة التي يشتري الأردن منها الغاز، وهي شركة “شل” العالمية.
بمعنى آخر، فإن المتضرر من تفجير خط الغاز هو الجانب المصري بدرجة رئيسة، وليس الأردن الذي يريد منه التنظيم أن يطلب الإذن من أمير العصابة للحصول على الغاز المصري.
وليس خافيا أن هدف التنظيم من وراء هذا التصريح هو فرض نفسه كطرف يتحكم بالأرض والموارد في سيناء، ويجبر دول الجوار على التعامل معه ككيان سياسي على غرار “دولة داعش” في العراق وسورية، التي فرضت الرسوم على الشاحنات وحركة التجارة في مناطق سيطرتها.
منذ القرار الاستراتيجي الذي اتخذه الأردن بإنشاء ميناء للغاز في العقبة، وشراء باخرة الغاز العائمة، تحرر قطاع الطاقة تماما من ضغوط الإقليم، وحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي كنا تحت رحمتها لسنوات، ودفعنا ثمنا باهظا جراء الاستسلام لخيار واحد.
وظهرت النتائج المبشرة لصحة خيار الباخرة العائمة سريعا؛ فخلال عام واحد، بلغ الوفر على خزينة الدولة 300 مليون دينار، حسب تصريح مصدر مسؤول في شركة تطوير العقبة لـ”الغد” في عددها يوم أمس.
وفي ضوء استمرار حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، والتوقعات القوية بمزيد من التدهور الأمني والفوضى، لا يمكن للأردن أن يعول على مشاريع خطوط النقل البري بالأنابيب، المقترحة شرقا وغربا، لتأمين احتياجاته من النفط والغاز. فحتى يومنا هذا، لم يتجاوز الحديث مع الجانب العراقي لمد أنبوب النفط من الموصل إلى العقبة مرحلة المخططات على الورق، رغم اتفاق الطرفين على أهمية المشروع للبلدين. ولا يظن أحد غير الواهمين بيننا، أن الغاز الإسرائيلي يمكن أن يكون بديلا نعتمد عليه.
إن الخيار الناجع والآمن هو استيراد الغاز عن طريق ميناء العقبة. وليس هناك من سبب يمنعنا من التفكير بتشييد موانئ جديدة لهذه الغاية، أو توسعة القائم حاليا. ولا تقتصر أهمية ذلك على قطاع الطاقة وفاتورته الثقيلة، وإنما تشمل أيضا العقبة، التي بدأت بالتحول تدريجيا إلى منطقة لوجستية تخدم دول الجوار، على غرار مصر حاليا.
بالمناسبة، لا نستغرب أن يجهل أتباع التنظيم الإرهابي في “ولاية سيناء” الحقائق بهذا الخصوص؛ فكثيرون بيننا ما يزالون يعتقدون أننا نستورد الغاز من مصر.