يبدو واضحاً أن تنظيم “داعش” لا يدري بما يدور حوله، لاسيما التطورات المهمة المتعلقة بقضية توريد الغاز بين الأردن ومصر.
التنظيم الإرهابي ما يزال يخطط عملياته وينفذها، في سيناء تحديداً، تبعا لمعلومات قديمة؛ إذ يظن استناداً لها أن الأردن يعتمد حتى الآن على الغاز المصري للتزود باحتياجاته من هذا المصدر للطاقة. ومن ثم، تراه يستهدف خط الغاز بين البلدين بغية إيقاع الضرر بالأردن، مهدداً بالتصعيد أكثر، عبر قوله إن “قطرة غاز واحدة لن تصل الأردن إلا بمشيئة أمير المؤمنين”!
فما لا يعلمه الإرهابيون و”أميرهم” هو أنه لا ضرر على المملكة من التفجير، وذلك لسبب بسيط يتمثل في أنه صارت لدى المملكة خيارات جديدة جنّبتها الحاجة للغاز المصري، ولاسيما وجود باخرة الغاز العائمة التي بدأت عملها خلال العام 2015، موفرة كامل احتياجات السوق الأردنية من الغاز.
وللباخرة منافع أخرى أيضا. إذ وفرت للمملكة فوائض من الغاز، بحيث باتت تصدره اليوم لدول مجاورة، منها مصر. وتحصل هذه الأخيرة فعلاً على كميات تتراوح بين 100 إلى 150 مليون قدم مكعب، تنخفض في فترة الشتاء بسبب تراجع استهلاك السوق المصرية. وهذه الكميات الفائضة عن حاجتنا يتقاضى الأردن مقابلها رسوما. وقصة تصدير الغاز من الأردن إلى مصر، وليس العكس، لم تكن معلومة من قبل، استجابة لطلب مصري بهذا الخصوص.
هكذا، إذن، تؤكد عملية تفجير الخط الرئيس الناقل للغاز بين الأردن ومصر حقيقة أن الدواعش خارج الزمن، كون تدفق الغاز المصري نحو الأردن متوقف منذ حزيران (يونيو) الماضي، ولم نعد نعتمد عليه بتاتا؛ ولتكون مخاطر العملية على المملكة مساوية للصفر فعلاً.
إذ حتى بخصوص الكميات التي كانت تصدر إلى مصر عبر الخط المستهدف، وتوقفت الآن فعلاً، فإنه ليس ثمة مشكلة تتمثل في ضياعها؛ فقد اتخذ القرار يوم أمس بتحويلها إلى محطة العقبة المجهزة للعمل بالغاز والوقود الثقيل، الأمر الذي يعني الاستفادة منها مباشرة. كما أن التوقعات هي أن يصلح الجانب المصري الخط بسرعة، لأن ثمة ضررا، وإن كان محدودا، يقع عليه من عدم وصول الغاز من الأردن.
استراتيجيا، حل الأردن مشكلة الاعتماد على مصدر وحيد للتزود بالطاقة، فجنّب نفسه مخاطر وأضراراً كبيرة مشابهة لتلك التي كانت ترافق تفجير الخط ذاته في سيناء خلال سنوات سابقة.
ومن ثم، ورغم كثرة الملاحظات على حكومة د. عبدالله النسور، إلا أنه يظل يُحسب لها أنها بدأت تكريس مفهوم أمن الطاقة، الذي ما يزال يحتاج إلى عمل طويل ومتعب. وبصراحة، فقد تحقق ذلك بفضل وجود إرادة سياسية وتوجيه من أعلى المستويات للحكومة بهذا الخصوص. ولنا أن نتخيل كيف ستكون الحال الآن لو أن الأردن بقي معتمدا بكامل احتياجاته على الغاز المصري.
وبوجود باخرة الغاز ومصادر الطاقة المحلية الأخرى، يمكن للأردن أن يستغني حتى عن اتفاقية استيراد كامل احتياجاته من الغاز من دولة الاحتلال الإسرائيلي، فنحمي بلدنا من أزمات مشابهة مستقبلا.
أخيراً، الغاية التي ابتغاها “داعش” من العملية هي إيقاع ضرر كبير بالأردن، وهذه فشلت. لكن ما تمّ والرسالة الأهم من التفجير، أن الأردن هدف للتنظيم الإرهابي الذي نخوض معركة ضده. وبالتالي، فرغم أن تهديد “داعش” عبر تفجير الخط هو تهديد وهمي لا قيمة له، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن “دولة الإرهاب” تظل تهديدا لكل المنطقة، لا بد من المضي باجتثاث وجودها كما فكرها من حولنا.