عروبة الإخباري- جاء قيام المملكة العربية السعودية بإعدام المُعارض الشيعي البارز الشيخ نمر النمر في 2 كانون الثاني/يناير لأسباب داخلية في المقام الأول، لكنّه حمل أيضاً رسالةً قويةً مرتبطة بالسياسة الخارجية، مفادها أنه إذا لم تقف الولايات المتحدة في وجه إيران، فإن الرياض ستفعل ذلك بنفسها. وتراجعت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في الآونة الأخيرة عن ردّها المقرر على التجارب الصاروخية الإيرانية، بإلغائها عقوبات إضافية تسربت تفاصيلها إلى الصحافة. وبدلاً من أن تفرض قيوداً جديدةً، أجرت واشنطن محادثات مكثفة مع طهران، وفقاً لما جاء في وسائل الإعلام الإيرانية وما ذكره كبار المشرعين الأمريكيين الذين تم إطلاعهم على الأمر من مسؤولي الإدارة الأمريكية. وفي الوقت نفسه، زادت إيران من تفاقم الأمور بإجرائها اختبارات صاروخية استفزازية في ممر ملاحة مزدحم لا يبعد كثيراً عن حاملة طائرات أمريكية.
ويأتي التراجع الملحوظ في فرض العقوبات في أعقاب التصريحات الكثيرة التي كانت الإدارة الأمريكية قد أدلت بها خلال المحادثات حول الاتفاق النووي الإيراني والتي أكّدت فيها أنّ الولايات المتحدة، وفقاً لما قاله الرئيس أوباما، “ستعمل بحزمٍ مع حلفائنا وأصدقائنا للحد من الأنشطة المزعزعة للاستقرار التي شاركت فيها إيران، على أمل وقفها في مرحلة ما”. إنّ هذه الكلمات أقل أهمية بالنسبة إلى زعماء دول الخليج العربي من الإجراءات التي تتخذها واشنطن فعلياً لوضعها موضع التنفيذ.
وفي ظل هذه الظروف، ليس من المفاجئ أن تقرر دول المنطقة أن تتصرف بمبادرة منها، وأن تختلف وجهة نظرها حول كيفية التصرف عن وجهة نظر واشنطن. فكما أظهرت التدخلات في البحرين واليمن، يميل السعوديون لرؤية يد إيرانية وراء التطورات التي يعتقد المسؤولون الأمريكيون أنها تطورات محلية بمعظمها. فلطالما نظرت الرياض إلى الاحتجاجات الشيعية في المنطقة الشرقية من المملكة على أنها مستوحاة من إيران، هذا إن لم نقل موجّهة منها. وكما تبيّن الكثير من التعليقات على وسائل الاعلام الاجتماعية المحلية التي دعمت تنفيذ حكم إعدام الشيخ النمر مدى عمق أصداء هذه الآراء في صفوف الجمهور السعودي.
إذا أرادت واشنطن من الرياض اتّباع نصيحتها، سيتوجب عليها أن تثبت أنها تقدم بديلاً أفضل. ويعني ذلك اتخاذ إجراءات واضحة لمعارضة التدخل الإقليمي الإيراني. وبالتالي، ستشكل المناقشات المقررة حول تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 اختباراً هاماً. فخلال المحادثات حول سوريا في تشرين الأول/أكتوبر، تأججت الشكوك السعودية بشأن سياسة الولايات المتحدة بسبب التراجع الواضح لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري عن مطالبة الولايات المتحدة بتنحّي الرئيس السوري بشار الأسد. ففي تلك المحادثات، كانت الرياض، وليست الولايات المتحدة، هي من اتخذ الموقف الأشد وطأة إزاء الأسد والتدخل الإيراني في سوريا، الأمر الذي أثار استياء كيري بشكل واضح. ونتيجة لذلك، فإن دعم الولايات المتحدة القوي للمعارضة السورية، ورفض القبول بوعود النظام الغامضة بالإصلاح سيكون له وقعٍ كبير في طمأنة الدول الملكية الخليجية بأن واشنطن تعني ما قالته حول التصدي لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار. من شأن هذه الطمأنة أن تكون مفيدة بشكل خاص بينما يسير الاتفاق النووي قدماً ويتم تخفيف العقوبات في “يوم التنفيذ”، المتوقع أن يكون في الأسابيع القليلة المقبلة.
وفي المقابل، إذا استمرت الإدارة الأمريكية في الضغط على المملكة العربية السعودية بشأن مسألة إعدام النمر وغيرها من القضايا، بينما لا تقوم بالكثير بدورها لمواجهة الاستفزازات الإيرانية، لن يؤدي ذلك سوى إلى تعزيز مخاوف الرياض من أن الولايات المتحدة ترى في طهران حليفاً رئيسياً محتملاً لها في المنطقة. وبدوره، سيؤدي ذلك إلى زيادة تحفيز السعوديين للعمل بشكل حثيث لوحدهم، كما فعلوا في اليمن. وبعبارة أخرى، تكمن أفضل طريقة لضمان استقرار الوضع في إظهار إدارة أوباما مهاراتها القيادية عبر الرد على العدوان الإيراني، وإلاّ ستعمل الدول الملكية في الخليج بمفردها على نحو متزايد، وسيكون ذلك على الأرجح بطرق تعتبرها الولايات المتحدة غير مفيدة.(معهد واشنطن)
*پاتريك كلاوسون هو زميل أقدم في زمالة “مورنينغستار” ومدير الأبحاث في معهد واشنطن.