الانتقادات التي وجهت لنداء شرارة بسبب ارتدائها الحجاب أثناء غنائها، وهي انتقادات لم توجه لديانا كرزون في حينه لعدم ارتدائها الحجاب، تؤشر على ثقافة خطيرة تتغلغل في مجتمعنا. فعدا عما توحيه هذه الاعتراضات من أن الغناء مخالف للدين أو للصالح العام، وأن القيام به مع ارتداء الحجاب يشكل انتقاصا للقيم والأخلاق ومخالفة للدين، فإنها تشير إلى أخطر من ذلك، وهو ثقافة إقصائية ترفض أي ممارسة لا تتفق مع مفهوم البعض للدين، وتشيطن كل من يقوم بها.
غالبا ما يحتمي من يوجه هذه الانتقادات وراء مفهوم ضيق للدين، معتقدا أن من شأن ذلك تغليب وجهة نظره عن طريق ترهيب الغير، واتهام كل رأي مخالف بأنه يقف ضد الدين. وقد حان الوقت للرد الواضح على مثل هذه الطروحات الإقصائية والملتوية. واريد هنا إيراد بعض النقاط الأساسية في هذا الموضوع.
أولا، إن ارتداء الحجاب ليس عنوانا للفضيلة، كما أن السفور ليس دلالة على الرذيلة. هناك أسباب عديدة لارتداء الحجاب؛ منها ما هو ديني، ومنها ما هو اجتماعي، ومنها ما هو اقتصادي. لكن في النهاية، فإن ارتداء الحجاب من عدمه شأن شخصي لا علاقة لأحد به، إن كنا نعتقد أن الدستور يكفل للجميع الحرية الشخصية طالما لا تمس حرية الآخرين.
والغناء أيضا خيار شخصي؛ فإن كنا لا نحرم الغناء على السافرة، فبأي منطق نحرمه على المتحجبة، إلا إذا كان الغناء في حد ذاته رذيلة أو مخالفا للقانون؟!
ثانيا، إن غياب ثقافة تقبّل التنوع في المجتمع واحترام الاختيارات الشخصية للآخرين، أوصل البعض لأن ينصّب نفسه وصيا على الدين والأخلاق والمجتمع؛ يحرّم ويحلل كما يشاء!
وثقافة تقزيم الآخر خطيرة جدا إن بقينا نسمح لها بالتمدد من دون مواجهتها بكل صراحة وشجاعة، لأنها ثقافة إقصائية تؤدي لانغلاق المجتمع، ولا ازدهار مع التقوقع، ولا ابتكار مع العصبية. وللأسف، تعلم النشء عبر قرون أننا أفضل من غيرنا؛ فلا حضارة ولا أخلاق ولا ابتكار إلا لنا.
ثقافة تقزيم الآخر، وللأسف، انتقلت تدريجيا من كون هذا الآخر خارجيا من دول أو حضارات أخرى، ليصبح اليوم داخليا؛ منا وفينا. فالشيعي والمرأة والمسيحي والسافرة أمثلة على كيف ينظر البعض للآخرين وكأنهم مواطنون غير كاملي الدسم. واليوم، يضيف البعض إلى هذه القائمة المغنيات المحجبات! أما آن الأوان أن ننظر للعالم بغير ثقافة “ونشرب إن وردنا الماء صفوا… ويشرب غيرنا كدرا وطينا”؟!
لنقارن ذلك، مثلا، مع خطاب رئيس الوزراء الكندي الجديد ترودو فيما يتعلق بالحجاب، إذ يقول: “التعددية بالنسبة لي تعني التنوع، والتنوع هو ما يعرّف كندا. ليس من شأن الحكومات أن تفرض على النساء ما يلبسن. وكما قال نلسون مانديلا؛ أن تكون حرا لا يعني فقط أن تنزع الأغلال عنك، ولكن أن تعيش بطريقة تحترم وتعزز فيها حرية الآخرين”.
آن الأوان لأن نحتفي بالتنوع، ونرمي جانبا هذا الشعور بالاستعلاء على الآخرين ممن هم أفراد صالحون في المجتمع، شاؤوا أن يغنوا أو يرسموا أو يكتبوا بطرق قد تختلف عن البعض، لكنها تضيف إلى جمال المجتمع جمالا. أما آن الأوان لمنظومة تربوية متكاملة، تعلم النشء تقبّل واحترام الآراء المتعددة؛ ممارسة وليس بالاسم فقط؟
نداء شرارة أوصلت الفرح إلى قلوب كثيرين، وبطريقة حضارية. بل إن حجابها أعطى هذا الفرح طابعا خاصا. وما تصويت الناس لها إلا دليل على احترامها واحترام فنها الراقي. نداء رفعت رأس الأردنيين والأردنيات، وجلبت الفخر لوطنها، فألف مبروك.