حتى ساعة كتابة هذا المقال، لم يصدر شيء رسمي أردني حول التطورات المقلقة المترتبة على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران، أسوة بما قامت به دول خليجية، بالإضافة إلى السودان. واكتفى الموقف الرسمي بإعلان الانحياز الدبلوماسي لصالح السعودية، وإدانة ما حدث لسفارتها في طهران.
حتى لو كان هناك موقف أردني، فإنه سيأخذ طابع المجاملة الدبلوماسية؛ إذ لن يتجاوز -على الأغلب- الحدّ الأدنى، بما يشبه الموقف الكويتي.
على العموم، هذه التطورات بمثابة اختبار صعب للسياسة الأردنية في المدى المنظور. فمن جهة، الأردن حريص على العلاقات الدافئة مع السعودية التي تمثّل حليفاً استراتيجياً تاريخياً للمملكة. لكن، من جهةٍ أخرى، هناك فجوة متنامية بين رؤيتي الأردن والسعودية للملفات الإقليمية، سواء في سورية أو اليمن أو أولويات مصادر التهديد الأمني الإقليمي.
أكثر من ذلك، تأتي الأزمة الراهنة لتضاعف مخاوف وهواجس “مطبخ القرار” في عمان من ولوج المنطقة بأسرها في مهب الصدام الطائفي، ما يعمّق حالة الاستقطاب المتلبس بالأبعاد الطائفية بين المحور الإيراني-الروسي من جهة، والمحور السعودي-التركي من جهةٍ أخرى، وينعكس على تأزيم “عدم الاستقرار” في كل من العراق وسورية واليمن.
من المعروف أنّ الأردن يدعم جهود الحكومة العراقية في استعادة الأنبار ومواجهة “داعش”، كما أنّه قام بعملية “إعادة” تموضع في المقاربة تجاه الأزمة السورية خلال الأشهر الماضية، وبصورة دقيقة منذ التدخل العسكري الروسي، ليبدو موقفه -أي الأردن- أقرب إلى “الحياد” منه إلى الانحياز لطرف على آخر. وربما هذه الخطوات غير المعلنة رسمياً، لم تفت على قرّاء “مطبخ القرار” في الرياض، وأثارت لديهم الشكوك حول التفاوت المتنامي في مواقف الدولتين تجاه سورية بصورة أساسية.
وعمل الأردن على “تحييد” المناطق الجنوبية في سورية خلال الأشهر الماضية، ووصل إلى تفاهمات مع الروس على عدم الزجّ بها في ساحة القتال. وكان ينظر إلى التدخل الروسي بما سيؤول إليه من مقاربة سياسية، على أنّه قد يخدم الحل السياسي في سورية، وهو موقف (أردني) يختلف أيضاً عن موقف الرياض، التي دانت ورفضت هذا التدخل العسكري الروسي.
حتى هذه “الرهانات” الجديدة لعمّان أصبحت هي الأخرى الآن تحت “اختبار ثانٍ”؛ فالطرف الإيراني لم يحترم تلك التفاهمات الأردنية-الروسية، وقام بهجوم عنيف على قرية الشيخ مسكين في محيط درعا، عبر هجوم يهدف إلى السيطرة على أغلب المناطق الجنوبية التي كانت تمثّل للأردن “خطّاً أحمر” خلال الأعوام الماضية، وتمكن من بناء “شبكة أمنية” متينة فيها، تتعرّض حالياً للاختلال والاهتزاز العنيف!
هل هناك جهود أردنية في الكواليس لاحتواء الموقف في درعا؟! ثمّة غموض شديد على هذا الصعيد، وتساؤلات جوهرية بشأن “رد الفعل” الأردني في حال تمكّنت القوات السورية بدعمٍ إيراني من اقتحام هذه المنطقة وانتقلت المواجهات إليها، ما قد يؤدي إلى هجرة مئات الآلاف من المواطنين السوريين؛ فما هي رهانات الأردن ساعتها، بخاصة أنّ الضغوط بدأت تزداد بسبب وجود ما يقدّر بعشرين ألف لاجئ سوري على الحدود اليوم في ظروف إنسانية صعبة، ما يزال الأردن يتمسك بعدم القبول بعبورهم لأراضينا؟!
في الخلاصة، التطورات الأخيرة تضغط على “التوازنات” التي بناها الأردن في الفترة الأخيرة بصعوبة، وتضعه أمام اختبارين أساسيين؛ الموقف من إيران والموقف من أحداث درعا. لكن تتوارى وراء هذين الاختبارين رهانات أكثر استراتيجية وصعوبة؛ الموقف من إيران والسعودية والاستقطاب الخطير في المنطقة!