بحلول عام جديد، يتطلع الوطن والمواطنون إلى المستقبل بأمل وثقة أن يكون القادم من الأيام أفضل مما مضى. ليس من منظور التأسي والترقب والخوف، وإنما من منظور القدرة على العمل، وجدية الإصلاح بالإقدام والعقل، وتنفيذ البرامج التي يمكن أن تحدث نقلة نوعية إلى الأمام. فيصبح الوطن فيها أكثر قوة، والمواطن أفضل حالا، وأكثر عطاء لبلده و لمواطنيه. و مهما كانت الإنجازات خلال العام 2015 فإن الحصيلة الكلية لها وخاصة من منظور إقتصادي اجتماعي كانت متواضعة، باستثناء السياسة الخارجية، والتي أدارها الأردن بحكمة وحنكة، وكان له حضور بارز على الساحتين الدولية والعربية دون تورط غير محسوب .وباستثناء الدور المتميز لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، التي يلتف الشعب حولها بكل ثقة و تقدير، إذ تقدم التضحيات لتقوم بواجبها الوطني النبيل خير قيام في حماية البلاد من أي سوء أو اعتداء.
ومع هذا، لا بد من الاعتراف بأسى، ومن باب الحرص على المصلحة الوطنية وليس من باب الإنكار أو جلد الذات، بأن العديد من المسائل الأساسية التي تتطلب البرنامج الوطني المتماسك، والعمل الجاد الدؤوب لا تزال على حالها،كما كانت قبل عام بل وقبل عدة أعوام أو تفاقمت سنة بعد سنة: البطالة، الأسعار، تحسين الكفاءة، بدائل الطاقة، الخصخصة، المياه، الفقر، المديونية، السياح، الزراعة، مشاركة القوى السياسية، قانون الانتخاب، تأصيل الديمقراطية ،تنمية المحافظات، السكة الحديد، النقل العام المنظم، المشاركة المؤسسية للمجتمع، الشركات المتعثرة ،المصانع المغلقة، النمو الإقتصادي المتواضع ، تفعيل دور المحافظين في التنمية الاقتصادية والإدارية، إعداد المشروعات في الأرياف و تأسيس التعاونيات، التواصل مع المستثمرين، عدم المبالاة لدى موظفي الدولة، الإفادة من الجامعات للتأهيل و المشورة، الاتفاقيات السرية في الغاز والمياه، والمشاريع البعيدة عن اقتناع الجمهور والخبراء بأنها فعلاً تخدم المصالح الوطنية مثل: المحطة النووية، الجريمة وتغليظ العقوبات، حكم القانون وتعزيز استقلال القضاء وناجزيته، وغير ذلك الكثير.
كل هذا من شأنه أن يؤكد ما تذهب إليه القوى و الأحزاب وأعداد كبيرة من المراقبين والعلماء والمفكرين والمثقفين والناشطين السياسيين والاجتماعيين وقادة الرأي، بأن “ إرادة الإصلاح لا زالت متأرجحة أو غائبة ، رغم دعوة الملك إلى ذلك المرة تلو المرة، وأن التغيير الذي تدور حوله الإدارة لا زال محدوداً وشكلياً، ولم تعقد عزمها بعد على الإصلاح الحقيقي الناجز، الذي يعطي للدولة الأردنية، بكل مكوناتها، بنية حداثية قوية، و روحاً جديدة وأدوات متطورة، تضمن الصمود الدائم أمام العواصف التي تجتاح المنطقة، وتبلور التقدم الذي يجب أن يستشعره المواطن، وتضمن عدم الارتداد إلى الخلف . ولا زالت الإدارة تبرع في الإنحناء للعاصفة، وشراء الوقت، دون تنفيذ مشروع عملي للوصول إلى الدولة الأردنية ذات الإقتصاد الصناعي الإجتماعي المتنامي باضطراد ، الدولة المدنية الديموقراطية البرلمانية الحديثة. هذا، في حين تتزايد الضغوطات الاقتصادية والسياسية وتتصاعد وتتفاقم تأثيراتها في المجتمع، بشكل يحمل معه أخطاراً كثيرة. الأمر الذي زاد الهوة ما بين المواطن والدولة اتساعا، وبشكل لا ينبغي تجاهله أو تسويفه أبداً.
إن الاستقرار الأمني و السياسي و الإقتصادي والإيديولوجي للمنطقة لا زال بعيدا، و قد يستغرق ذلك سنوات،و أسعار النفط ستبقى منخفضة في مستواها الحالي أو أدنى من ذلك لسنتين أو أكثر، و ستخفض دول الخليج والسعودية من إنفاقاتها الرأسمالية والجارية، وستتقلص فرص العمل فيها ، الأمر الذي يجعل فرص المساعدات ضيقة ، و فرص العمل الجديدة للاردنيين ضيقة كذلك. وسوف تستمر إسرائيل في دعم الجماعات الإرهابية والمتطرفة بشتى الوسائل السرية باعتبار هذه أدوات فعالة لاستنزاف القوى العربية المحيطة بها وتفتيتها لعشرات السنين القادمة. كل هذا يجعل مسئولية الدولة أكثر جسامة وأشد تعقيدا للسنين القادمة.
إن نقطة الإنطلاق هنا هي خلق حالة من التوافق الوطني حول برنامج إصلاح محدد. وبالتالي دعم الخطوات والإجراءات التي يمكن أن تنتهجها الحكومة، لأنها تعبر فعلاً عن تطلعات الشعب. والجميع الآن قادر على التمييز بين التدرج والتمهل في جانب ،وبين التباطؤ والتكاسل والتسلحف من جانب آخر،الذي يشاهده المواطن و يتألم من حدوثه. كي يمكن للمواطن أن يلمس التغيير في حياته اليومية إذا لم تتعزز لديه القدرة على مواجهة تكاليف ألحياة الخانقة ؟،و إذا لم تتوفر فرص التعليم والتدريب والعمل للشباب ليطمئنوا أنهم في طريقهم إلى الحياة الكريمة؟
وفي الوقت الذي تصل البطالة فيه إلى 13% و في المحافظات قد تصل إلى 18% و بين الشباب إلى 25% و بين الجامعيين إلى 31% ،فإن القوى العاملة الوافدة وحسب تصريح وزير العمل وصلت إلى 1 مليون عامل من المتوقع استمرار الجزء الأكبر منهم مقيمين لسنوات كوافدين ولاجئين . ومع هذا و في ظل هذه الظروف الصعبة المعقدة، في نفس الوقت، يتم الإعلان أن عدد المصانع الوطنية التي تم إغلاقها عام 2015 زاد عن 3000 مصنع . إن مثل هذه الأرقام الهائلة لم نسمع بها في بلد من البلدان، ناهيك عن بلد صغير الحجم متواضع الإمكانات كالأردن..إغلاق 3000 مصنع!! أي بلد في العالم يمكن أن يغض النظر عن إقفال آلاف المصانع والشركات لديه ؟هل يعقل أن تستمر الحكومة بهذا النمط من الإدارة، لا تبحث عن حلول، بقدر ما تكتفي بالعقوبات والتي تنعكس في النهاية سلبا على الاقتصاد الوطني والأمن الاجتماعي؟ متى يتغير نمط الإدارة فتكلف الحكومة لجانا متخصصة لوضع الحلول لأي مشكلة مهما كانت بالتوافق ؟ مع الالتزام الأدبي القاطع بأن تكون توصيات هذه اللجان بمثابة العمود الفقري للقرار أو المشروع الحكومي، والالتزام بالشفافية والقانون وخاصة في قضايا الفساد، والخصخصة، والمشاريع الكبرى و ممتلكات الدولة.
هل يمكن وبعد أن تقلصت الطبقة الوسطى، وأصبح 65% من السكان يتأرجحون بين الوسطى والفقيرة، أن يشهد عام 2016 بداية، عملية وليست إعلامية ولا كلامية، من الحكومة والشركات والمؤسسات الكبرى في كل محافظة بإنشاء مشاريع إنتاجية صغيرة ومتوسطة، ضمن برنامج وطني لتصنيع الإقتصاد، تفتح المجال لأبناء وبنات المحافظة للعمل فيها.؟ هل يمكن أن تتوقف الإدارة، وبشكل نهائي، عن سياسة “التمنفع والتكاسب”؟،و عن الضغط على البرلمان و توجيهه من أجل تمرير اتفاقية معينة،أو قانون فيه ثغرات، أو غض النظر عن موضوع معين؟ في الوقت الذي تتجنب عرض اتفاقيات دولية هامة وخطيرة ينص الدستور على موافقة مجلس الأمة عليها. إذ إن مثل هذه الممارسات تعيد قضية الإصلاح إلى نقطة الصفر، وتثير الشكوك من جديد. و لا تخدم مصلحة وطنية أبدا.
إن الفجوة بين الحكومة والمواطن في ظروف المنطقة العربية مسألة بالغة الأهمية والخطورة، ولا ينبغي أن تستمر غير معالجة أبداً. كما أن عدم التحرك الفوري في اتجاه العمل الاقتصادي الاجتماعي، وانتظار حل المشكلات من خلال المعونات، أمر غير مجد وغير مضمون النتائج ولا يصلح للمستقبل. والأهم من كل ذلك انه لا يغير من وضع المحافظات والشرائح محدودة الدخل، ولا من حياة المواطن شيئاً. مرة ثانية وثالثة إن التغيير المطلوب يجب أن تبدعه العقول الأردنية الآن من خلال توسيع نطاق المشاركة الفردية والجماعية والمؤسسية، ويتوافق عليه الأردنيون، وتلتزم بسرعة تنفيذه الدولة. فذلك أهم مؤشرات الجدية في الإصلاح.