ينهي اليوم، زكي بني ارشيد، نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، والرجل القوي في الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي، فترة محكوميته في السجن، ليجد نفسه أمام “معضلات” حقيقية وبنيوية وقعت فيها “الجماعة”!
يعوّل كثير من شباب الجماعة (المؤيدين للقيادة الحالية) على خروج “الرجل القوي”، وينتظرون موقفه ودوره في أخطر مرحلة تمرّ فيها الجماعة. بل وبدأ يعلن عدد كبير منهم ترشيحهم له ليكون المراقب العام القادم للجماعة، في الانتخابات المتوقعة في الأشهر الأولى من العام الحالي.
أحسب أنّ بني ارشيد سيتردد في القبول بالموقع المنتظر. فهو، وإن كان يفتقد في أحيانٍ متعددة للخبرة والحكمة السياسية المطلوبة، إلا أنّه يمتلك درجة من الذكاء ليدرك أنّ “الحفاظ على الموجود” غير ممكن، خشيةً من التغيير، بل المطلوب التفكير بالمستقبل بعيون أكثر جرأة وشجاعة من تلك العيون المسكونة فقط بالخشية والقلق على “الدعوة” و”الجماعة”، كما ألاحظ وأنا أقرأ وأستمع لسجالات ومناقشات الشباب المتمسّكين بالقيادة الحالية، أو حتى العبارات الغريبة المشحونة بالتوتر والضعف والاهتزاز التي صدرت عن رئيس مجلس الشورى في جبهة العمل الإسلامي.
بالرغم من أن زكي بني ارشيد هو الشخصية الأكثر قوة وحضوراً في أوساط تيار ما يدعى بـ”الصقور”، بخاصة لدى الشباب؛ وبالرغم كذلك من أنّه كان الأكثر مناكفة وندية مع أقطاب التيار الآخر، بخاصة
د. رحيل غرايبة، مؤسس مبادرة “زمزم”؛ إلا أنّ بني ارشيد ليس صقورياً بالمعنى الكلاسيكي أو التقليدي المعروف؛ فهو من أشدّ “الإخوان” إيماناً بالديمقراطية والتعددية السياسية والفكرية، بل وأكثرهم مرونة وانفتاحاً على الإعلاميين والسياسيين. لكن، ربما لضرورات تنظيمية سابقة وصراعات داخلية، تحالف مع “الصقور” في أروقة الجماعة الداخلية.
صقورية بني ارشيد تتبدّى ليس في الموقف الإيديولوجي ضد الديمقراطية، بل في “رفع سقف” خطاب المعارضة لدى الجماعة ليصطدم بخطوط غير تقليدية، وفي تبنّيه عناوين جديدة مثل الورقة المعروفة التي قدّمها في ذروة لحظة “الربيع العربي”، وهي “من المشاركة إلى الشراكة” في ترسيم الدور السياسي للجماعة، ما اعتُبر طموحاً مقلقاً لأوساط القرار في عمان.
مع ذلك، لم يصل بني ارشيد إلى تبنّي مبادرة “الملكية الدستورية”، وقاومها عندما أعلنتها مجموعة مرتبطة بالحمائم وتيار الوسط، ممن أسسوا لاحقاً مبادرة “زمزم”، مشكّكاً في مدى قدرة “الجماعة” حينها على حمل هذه “القضية” التي كانت في ذلك الوقت تعني الاصطدام بالدولة.
وراء الكواليس، يظهر بني ارشيد براغماتية شديدة في التعاطي مع الشأن السياسي، لكنّها لا تظهر في خطاب الرجل الذي كان محكوماً بالصراعات التنظيمية الداخلية، أكثر مما هو مرتبط بهاجس تطوير خطاب الحركة لمواجهة الاستحقاقات المستقبلية.
زبدة القول؛ إنّ مياهاً كثيرة جرت تحت الأقدام خلال الأشهر التي قضاها الرجل في السجن. وهو اليوم يخرج ليجد مشهداً مختلفاً بالكلية، يتطلب منه قراءة مغايرة أوسع وأكبر وأكثر استراتيجية وبعداً للنظر من تلك التي حكمت اصطفافاته ومواقفه في الأعوام السابقة. وهي حالة مقترنة بحالات مشاكلة تماماً لما تمر به الجماعة في مصر ودول أخرى، ولا تستوي معها الرهانات التقليدية على تماسك “التنظيم” وصلابته!
إذن، المعطيات التي حكمت مواقف أبي أنس واصطفافاته الداخلية والسياسية، لم تعد قائمة اليوم عموماً. والتحديات التي تواجه “الحركة” أكبر بكثير من “الخصومات السابقة”؛ فأغلب الخصوم هم أيضاً خارج “القفص”، وأقصد هنا قفص الحركة الإسلامية حاليا.
مفهوم “الرجل القوي” ليس هو ذاك الذي يتمسك بمعادلة انتهت ليحمي التنظيم، فيزيد من معضلاته، بل هو الذي يفكّر خارج هذا “القفص”، وينفتح على قراءة ما يحدث بعين استراتيجية عميقة، كما يفعل حالياً “قادة” تاريخيون في الحركة!