اتسم رد وزارة الصحة على الاتهامات التي وُجهت لقطاع السياحة العلاجية الأردني في برنامج “الثامنة مساء” على فضائية “إم. بي. سي” الخليجية، بالحكمة والتعقل. وزير الصحة طلب على الفور تشكيل ثلاث لجان متخصصة للتحقيق في الاتهامات الواردة بحق أحد المراكز الطبية التي ادعى البرنامج أنها تستغل المرضى الخليجيين.
يمكن بسهولة إنكار الاتهامات من قبل المعنيين في القطاع، خاصة الأطباء، والرد عليها بشرح مسهب عن تميز الخدمات العلاجية في الأردن، ومكانة القطاع على المستويين العربي والدولي. وأكثر من ذلك القول إن هناك مؤامرة من مستشفيات منافسة في دول المنطقة تسعى إلى ضرب سمعة الأردن الطبية لحسابها.
لن يجادل منصف في الإشادة بمستوى القطاع الطبي الأردني، ولا بمنزلة الأطباء الأردنيين بين أقرانهم في المنطقة، وأحيانا العالم. لكن دفن الرؤوس في الرمال قد يكلفنا الكثير في المستقبل.
بعيدا عن الاتهامات الموجهة في البرنامج التلفزيوني لأحد المراكز الطبية، تترد في “السوق” الطبية على الدوام عشرات القصص عن حالات تعرض أصحابها لاستغلال من قبل أطباء ومستشفيات خاصة. ويتعدى الأمر المرضى العرب، ليطال الأردنيين أيضا.
وفي التعليقات على التقرير المنشور بهذا الخصوص في صحيفة “الغد”، سارع أردنيون إلى مشاركة القراء بعضا من قصص معاناتهم مع الأطباء والمستشفيات، وهي دائما ما تتمحور حول الأجور المرتفعة والأخطاء في التشخيص.
وأشكال الاستغلال متعددة؛ فواتير بمبالغ فلكية، وتدخلات علاجية غير ضرورية. وما تزال تحضر في البال التجاوزات في ملف المرضى الليبيين الذين تدفقوا على الأردن بعد سقوط نظام القذافي، وما تعرضوا له من استغلال من قبل مراكز طبية هنا.
بالطبع، هذه التجاوزات لا تمثل الصورة العامة للقطاع الطبي الأردني، لكنها كفيلة بتشويه سمعته وإلحاق الأذى بمؤسساته.
المؤكد أن التجاوزات هذه تقع في الحدود الضيقة، ولو لم تكن كذلك لما استمر المرضى العرب في القدوم إلى الأردن، واختاروا وجهات علاجية أخرى.
الإشكالية في اعتقاد مختصين تكمن في أن القطاع الطبي الخاص في الأردن توسع بشكل كبير في العقد الأخير؛ بدخول مئات الأطباء إليه، وافتتاح العديد من المستشفيات، والمراكز الطبية المتخصصة بالأمراض الشائعة، في وقت ما تزال فيه مؤسسات الرقابة وأدواتها محدودة القدرات والإمكانات، ولا تواكب في أساليبها التغيرات الحاصلة في القطاع. وينسحب هذا التشخيص للعلة على نقابة الأطباء ذاتها.
وما التردد في تبني قانون المسؤولية عن الأخطاء الطبية لسنوات طويلة، إلا دليل على رغبة متنفذين في التهرب من تحمل المسؤولية، في وقت كان فيه القطاع يحتاج إلى تقديم ما يؤكد التزامه بتعزيز منظومة المساءلة والرقابة.
ليست هي المرة الأولى التي نسمع فيها اتهامات من مرضى عرب للقطاع الطبي الأردني. وفي كل مرة كنا نسمع الوعود ذاتها بالتحقيق، لكننا لا نرى نتائج. الأفضل أن تمضي وزارة الصحة إلى النهاية، وأن يسارع القائمون على القطاع بتصحيح الاختلالات؛ فهم أول الخاسرين من تكريس الانطباعات السلبية عن قطاع يمثل بحق قصة نجاح أردنية، تغري الكثيرين بمحاولة منافستها وبطرق غير أخلاقية أحيانا.