تلقّى تنظيم “داعش” ضربة موجعة في العراق، بخسارته مدينة الرمادي ومناطق واسعة في محافظة الأنبار.
بالنسبة للأردن، دحر “داعش” بعيدا عن حدوده الشرقية، يخفف من أعباء التأهب العسكري والأمني، ويمنح الفرصة للتركيز أكثر على الجبهة الشمالية التي تشهد تطورات ميدانية مهمة على الجانب السوري من الحدود.
لكن ينبغي عدم الركون للوضع الجديد في الأنبار؛ فالنصر ليس حاسما، وقد لا يكون دائما.
الأنبار محافظة مترامية الأطراف، ولم يتمكن الجيش النظامي العراقي بكل إمكاناته من الدفاع عنها من قبل. وكان متوقعا أن لا ينجح تنظيم “داعش”، الأقل عدة وعتادا، في الاحتفاظ بها، خاصة مع القصف الجوي المتواصل من طائرات التحالف الدولي.
وإذا لم يوظف الجيش العراقي الزخم المتحقق بعد معركة الرمادي سريعا، ويتقدم نحو الموصل لمحاصرة التنظيم هناك والإجهاز عليه، فإن بمقدور خلايا الإرهابيين التي ما تزال منتشرة في أطراف الأنبار، أن تربك حسابات الجيش والقوى الأمنية العراقية، وتباغتها بهجمات مؤثرة، مثلما حصل في مناطق أخرى، وتستعيد السيطرة على مركز المحافظة.
يدرك قادة “داعش” أنهم يقاتلون في وضع شبه يائس حاليا، ولذلك سيبدون شراسة كبيرة في المواجهة. وعلى الجانب الآخر، لم تظهر الحكومة العراقية بعد الكفاءة والقدرة على إدارة المناطق المحررة، وتأمين مصالح السكان وكسب ولائهم.
لقد نزح عشرات الآلاف من سكان محافظة الأنبار عن ديارهم جراء المعارك المتواصلة، وخسر كثيرون منهم أملاكهم ومنازلهم ومصادر رزقهم. يتعين على الحكومة العراقية إظهار حسن النوايا حيال هؤلاء، وتبديد شكوكهم حيال علاقتهم مع الدولة العراقية، وذلك بتأمين العودة السريعة للمهجرين، إضافة إلى تعويضهم ماديا ليتمكنوا من استعادة دورة الحياة بشكل طبيعي، والحرص على إبعاد مليشيات الحشد الشعبي من غير أبناء المنطقة عن المشهد في الرمادي، كي لا تتكرر الأحداث المأساوية التي وقعت في تكريت بعد تحريرها من قبضة “داعش“.
يستطيع الأردن، بعلاقاته الواسعة مع العشائر العراقية في الأنبار وصلاته الجيدة مع الحكومة العراقية، بناء جسور الثقة بين الطرفين، والعمل على تمكين الزعامات العشائرية والاجتماعية الوطنية من السيطرة على المناطق المحررة، وتأمين احتياجاتها من المواد الغذائية والطبية، وإسعاف الجرحى إن تطلب الأمر.
وأكثر من ذلك دعم جهود الجيش العراقي في تطهير المناطق المحاذية لحدودنا، والقضاء على العناصر الهاربة من الدواعش، قبل أن يعيدوا تنظيم صفوفهم، واستعادة زمام المبادرة.
إن تأمين الحدود مع العراق وضمان ديمومة النصر في الأنبار، وعلى طول الطريق الممتدة لبغداد، يشكل مصلحة حيوية واستراتيجية للأردن؛ إذ يفتح الباب من جديد لانسياب السلع بين البلدين، واستعادة زخم التجارة المتوقفة مع العراق. وسيكون لهذا التطور أثر بالغ الأهمية على قطاعات صناعية وتجارية تعاني كثيرا جراء إغلاق السوق العراقية في وجهها.
هي انفراجة في الساعات الأخيرة من سنة ثقيلة ودامية، عسى أن تحمل بادرة أمل لعام جديد. لكن ما من ضمانات إذا لم نتحرك، وبسرعة، لجعل النصر على الجبهة الشرقية دائما ومستقرا، ومن نصيبنا أيضا.