ردد نواب الاتهامات للحكومة بتهريب النصاب عمدا لقطع الطريق على مناقشة سياسة الحكومة الاقتصادية، والتي كانت مقررة في جلسة أول من أمس.
ليس مستبعدا أن تكون الحكومة قد لجأت إلى هذا التكتيك، لتريح أعصابها من خطابات نارية، واتهامات تؤلب الرأي العام ضدها.
لكن فقدان النصاب لم يكن دائما مؤامرة حكومية؛ ففي مناسبات عديدة لا علاقة للحكومة بها، أخفق المجلس في تأمين النصاب اللازم لاستمرار جلساته.
في الحالتين، المسؤولية تقع على عاتق النواب، وعلى قادة الكتل النيابية بشكل خاص. في المجالس النيابية، عادة ما تكون هناك هيئة مشتركة تضم ممثلين للكتل، مهمتها تنسيق العمل تحت القبة، والتشاور حول القضايا العامة؛ كالثقة بالحكومة، أو مناقشة سياستها الاقتصادية قبل تقديمها واعتمادها رسميا على جدول الأعمال.
وفي حال تأكد أن أغلبية الكتل متفقة، يتم إدراج الطلب رسميا، وتتعهد كل كتلة بإلزام نوابها حضور الجلسة. وليس ضروريا بالطبع أن تتوافق الكتل على موقف واحد من الموضوع المطروح؛ الاتفاق هو على الأمر من حيث المبدأ، فقد تتقدم كتلة بطلب لطرح الثقة على الحكومة بهدف حجبها، وتلتقي على نفس الهدف “المبدأ” مع كتلة ثانية تؤيد الطلب لكنها تؤيد منح الثقة لا حجبها عن الحكومة، وهكذا.
لقد خسر مجلس النواب شعبيته، في أحيان كثيرة، بسبب التزام بعض كتله بمطالب غير قادرة على الوفاء بها؛ كطرح الثقة في الحكومة مثلا من جانب واحد، ومن دون تنسيق كاف مع مكونات المجلس الأخرى.
بمعنى آخر، مجلس النواب كمؤسسة يخسر مصداقيته ليس عندما يفشل في سحب الثقة من الحكومة، بل حين يخفق في تأمين الأغلبية اللازمة لمناقشة الطلب، فيقال في الشارع إن النواب يكذبون على الشعب؛ يرفعون الشعارات، وعندما تحين ساعة الجد لا تجدهم تحت القبة.
نعلم أن أغلبية النواب يقفون في المنطقة الرمادية، ويتحركون يمينا ويسارا تبعا لحسابات ومصالح متداخلة. لكن آلية الكتل على ما فيها من عيوب، ما تزال قائمة، ويمكن تنشيطها بتوليد مهمات جديدة لها تساعد على مأسسة عمل المجلس.
لو توفر الحد الأدنى من التنسيق المهني بين الكتل، لكان بالإمكان تجنب الأذى الذي لحق بصورة المجلس وسمعته بعد فقدان أو “تهريب” النصاب في جلسة مناقشة السياسة الاقتصادية للحكومة. كان يمكن، على سبيل المثال، الأخذ بالرأي القائل أنْ لا حاجة لمثل هذه الجلسة أصلا، ما دام المجلس مقبلا على مناقشات مشروع قانون الموازنة، وهو قانون اقتصادي بامتياز، يمنح النواب حرية الكلام في هذا الشأن لأكثر من أسبوع تقريبا.
ربما تكون هذه الدورة الأخيرة لمجلس النواب. لكن إن صح ذلك، فهي ما تزال في بداياتها، وفقدان النصاب وتهريبه هما عوارض إجهاد تظهر على النواب في الأسابيع الأخيرة من الدورة البرلمانية، وليس في بداية المشوار الحافل بالمهمات التشريعية الثقيلة.
أما إذا كانت الحكومة تقف حقا خلف تهريب النصاب، فإنها تكون قد أخطأت؛ فما يضير الشاة سلخها بعد ذبحها.