ثمة ملاحظات لا بد من قولها، تعليقاً على لقاء المعارضة السوري في الرياض، وما أنتجه من وثيقة، وترتب عليه من انتخاب هيئة عليا للإشراف على المفاوضات مع النظام الأسدي.
ـ تم اللقاء بتحضير وإدارة سعوديين، وكان من الممكن والواجب تشكيل لجنة مشتركة تضم سوريين، وتحدد الموضوعات التي على المؤتمر مناقشتها، وبرنامج العمل الذي يجب أن يتمخض عنه، والتشكيلات التنظيمية والتفاوضية التي سيؤسسها من أجل التعاون مع الجانب السعودي/ العربي، والتعامل مع مستجدات الوضعين، الإقليمي والدولي، حيال المسألة السورية. ما حدث هو أن الإخوة في المملكة تلقوا تكليفاً من دول فيينا بتجميع المعارضة وتوحيدها، فأنجزوا المهمة بمفردهم، إلا في ما يتعلق بالدعوات، وقد اعتمدوا في تسمية من تلقوها على شخص واحد، هو رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي زودهم بقائمةٍ، غالبيتها من جماعته الخاصة، علماً أنه ليس الجهة التي يخولها نظام الائتلاف الداخلي بتسمية وفوده، وبأن تصرفه غيّب عن اللقاء مجموعة من أعضائه، تضم الأكثر خبرة وتجربة والأعرق معارضة للنظام الأسدي. بينما رافق حسن عبد العظيم صهره وابن اخته ممثلين لهيئة التنسيق، وتولى الأخوة السعوديون اختيار ممثلي الجيش الحر والشخصيات الوطنية، واستكملوا الدعوات بالاستجابة لطلبات هذه الجهة العربية والدولية أو تلك.
ـ تم إقرار وثيقة عامة أقرب في بعض نقاطها المهمة إلى بيان فيينا منها إلى وثيقة جنيف1، لكونها خلت، في النسخة التي وافق عليها اللقاء، من أي ذكر “للهيئة الحاكمة الانتقالية”: الجهة التي يبدأ بتشكيلها الحل السياسي والانتقال الديمقراطي. بتخلي الوثيقة عن الهيئة، يصير كلامها عن “مرحلة انتقالية بدون الأسد” محل التباسات متنوعة، تستعيض عن وضوح جنيف بضبابية تعزّزها تصريحات تراجعية حول مصير المجرم ونظامه، أطلقها بعد فيينا معظم من كانوا من الدبلوماسيين الغربيين يطالبون برحيله ويتعهدون بتحقيقه. استبدلت الوثيقة “الهيئة الحاكمة” بـ “مرحلة انتقالية بدون الأسد”، وجعلت رحيله ملازماً لبداية تشكلها، فكأنها تخلت عن مفهوم جنيف لانتقالٍ، يبدأ فور تشكيل الهيئة التي يفسح تغييبها المجال لما يحكى عن مرحلتين: واحدة ما قبل انتقالية يبقى الأسد فيها، وأخرى انتقالية يرحل في بدايتها، هذا إذا لم يتم مستقبلاً التخلي عنها كما تم التخلي عن الهيئة. وللعلم، تجاهل من سوقوا الوثيقة أنه سبق للائتلاف أن أقر وثائق تعادلها في القيمة، وتبزها في الوضوح والتحديد، وأن وثيقتهم أقرب، في نقاط عديدة، إلى مواقف روسيا وهيئة التنسيق، المفتوحة على جميع أنواع التراجعات والتنازلات منها إلى رؤية الائتلاف ومواقفه التي تبناها، ودافع عنها في جنيف وبعده. من الضروري التوقف، هنا، عند الاستعجال في إنتاج الوثيقة وفي تقنية إقرارها التي مرّرت أي بند من بنودها، بمجرد حصوله على 75% من أصوات الحاضرين، وحالت دون مناقشة أي ملاحظة عليها، بحجة افتقارها إلى نسبة الأصوات المطلوبة.
ـ تم انتخاب هيئة الإشراف العليا على التفاوض بالمحاصصة، على الرغم من أن اللقاء كان
“بتخلي وثيقة مؤتمر الرياض عن الهيئة الحاكمة الانتقالية، يصير كلامها عن “مرحلة انتقالية بدون الأسد” محل التباسات متنوعة” أول لقاء وطني جامع للمعارضات السورية، فأعطي الائتلاف تسعة مندوبين، والجيش الحر عشرة، والتنسيق خمسة، والمستقلون ثمانية، ثم إن بعض من لم ينجحوا بالانتخاب من المستقلين تم إنجاحهم بالتوافق، كما منح بعضهم صلاحيات قيادية وتمثيلية. تُضاف هذه النقطة إلى نقطةٍ أخرى تجاريها في الخطورة، هي أن الهيئة التي ستشرف على الوفد المفاوض تضم خليطاً من أشخاص ذوي حسابات وارتباطات متباينة ومتناقضة، وإن فيها، على سبيل المثال، جهبذاً من هيئة التنسيق، طالب في اللقاء بمفاوضاتٍ من دون شروط مسبقة مع الأسد، أي أنه طالب بالتنازل مسبقاً عن حقوقٍ تعطينا إياها وثيقة جنيف، بينها إزاحة الأسد عبر نقل صلاحياته إلى الهيئة الحاكمة الانتقالية، وتحقيق الانتقال الديمقراطي هدفاً للتفاوض. وللعلم، فإن الأسد يعتبر جميع مطالب الثورة وأهدافها شروطاً مسبقة، وكذلك جوهر وثيقة جنيف وفقرات مهمة من نصها، فكأن الجهبذ كان يطالب بالتفاوض على ما يريده بشار بشروط مسبقة. في جنيف2 ، كان أعضاء وفد التفاوض المعارض من الذين قطعوا علاقاتهم بالنظام، بينما تضم الهيئة الحالية عدداً لا يستهان به من أصحاب المواقف الملتبسة. بغموض الوثيقة وتركيبة الهيئة، من الضروري القول: الله يستر.
ـ أخيراً: هناك تراجع فرضه الروس على دور تركيا الداعم للثورة، وهناك هجمة روسية تشد أزر النظام، وتستهدف كسر توازنه مع الجيش الحر. وهناك ما يمكن أن يترتب عليهما من إضعاف محتمل للحليف الإقليمي وللثورة السورية. وسط هذه الأجواء المقلقة، تتقدم السعودية نحو قيادة معركة العالمين العربي والإسلامي ضد الإرهاب، فهل ستصحب خطوتها المهمة، والمتحدية، هذه، عمليات تنسيق وتعاون منظمة ومتكاملة بينها وبين الجيش الحر وفصائل المعارضة الملتزمة بمطالب الثورة وأهدافها، التي كان لها فضل جمعها من أجل توحيد مواقفها وتقديمها بصورة إيجابية إلى العالم؟ وهل ستنتقل علاقاتها مع المسألة السورية إلى طور شراكة يلبي طموحات شعبها، ويعينه على حسم مصيره، أم ستبقى علاقة تغلب عليها صلة محيط بمركز، فيصدق من زعموا أن المملكة استولت على الورقة السورية، لتستعملها في مساوماتٍ تعزز موقفها، في حال وجدت نفسها وحيدة ومعزولة، بسبب ضعف الموقف التركي والثوري السوري، وتزايدت الضغوط الدولية عليها في اليمن والمشرق، ومن حيث لا تحتسب.
إضافة: بعد صدور قرار مجلس الأمن وما ينتجه من توافقات ومشتركات سعودية/ سورية، يصير من المحتم خدمة مصالح وأمن الطرفين من خلال توثيق علاقاتهما، ونقلها إلى مستوى استراتيجي بكل معنى الكلمة، ويزيد من حاجة الجانبين إلى تطور كهذا حقيقة أن التفاهم الأميركي/الروسي لا يقتصر على سورية وحدها، بل سينعكس، أيضاً، على دور المملكة فيها، وأن حتمية تعاونها، من الآن فصاعداً، مع المعارضة السورية ستجعل منها رابحاً أو خاسراً، بقدر ما تربح سورية أو تخسر.
هل سننتقل، في قريبات الأيام، إلى التفاعل بإيجابية مع ما تفرضه علينا ضرورات صارت مصيرية، ويلزمنا به تحقيق انتصار سياسي بمعونة المملكة، يكون انتصاراً لها أيضاً، وبالدرجة الأولى، يزيد مناعتنا المشتركة ضد ما سنتعرض له من ضغوط دولية، لا قبل لأي طرف منا بصدها بمفرده، أم أننا سنقوم بالنقلة المطلوبة التي طال انتظارها، ولن نصمد في وجه المخاطر، ناهيك عن إحراز انتصار بدونها؟