ساسة من خلفيات وزارية وبرلمانية وحزبية، يتحركون بهمة ونشاط هذه الأيام. التحرك يأخذ أشكالا متعددة؛ لقاءات شعبية موسعة، ومحاضرات وندوات ومقابلات تلفزيونية، وبالطبع اجتماعات ضيقة هنا وهناك.
هل من رابط بين هذه التحركات واقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي؟
بالنسبة للبعض الرابط موجود، وهم منذ الآن لا يخفون رغبتهم في الترشح للانتخابات النيابية المتوقعة قبل نهاية العام الجديد. لكنّ آخرين ما يزالون في المنطقة الرمادية بانتظار أن تتضح الصورة، بيد أنهم وفي كل الأحوال يسعون إلى دور في الحياة السياسية.
عند استعراض الأسماء النشطة -من دون ذكرها- يذهب المرء في خياله خطوات إلى الأمام، ويتخيل تركيبة المجلس النيابي المقبل في حال ترشحهم وفوزهم. المؤكد أنه سيكون لدينا مجلس نيابي بسوية جيدة؛ أكثر تسييسا ومهنية. شخصيات من مختلف المشارب والأفكار، وبخبرات متنوعة في مجالات عدة، لهم أن يملأوا شيئا من فراغ السياسة والنيابة.
بعض المترددين بشأن خوض الانتخابات يخشون من الطريقة التي ستدار بها العملية الانتخابية، ويريدون ضمانات قاطعة بالنزاهة وعدم التدخل. فريق آخر لديه تحفظات نسبية على مشروع قانون الانتخاب، لكنهم على استعداد لتخطيها في حال توفرت ظروف مواتية للترشح.
لكن في كل الأحوال، لا قيمة ولا معنى لتحرك هؤلاء الساسة إذا لم يترجم بالأفعال والممارسات. السياسي ليس أكاديميا أو صحفيا؛ يحاضر ويكتب هكذا لوجه الله. السياسة نشاط براغماتي بحت، وما المحاضرات والندوات، وحتى الولائم، إلا وسائل اتصال مع الجمهور لتحقيق أهداف سياسية؛ الوصول إلى البرلمان، وتولي مسؤولية في دائرة صناعة القرار، والمشاركة في التغيير والبناء.
سنسمع بعد حين عمن ينتظر ضوءا أخضر للترشح، ومن يقول إنه تلقى ذلك بالفعل دون غيره. مثل هذه الثقافة راسخة في الأذهان، ولا يمكن تجاوزها بمجرد نفيها. والحل من وجهة نظري، أن تعطي الدولة الضوء الأخضر للجميع للترشح دون استثناء، وتسلم إدارة الانتخابات لفريق يحظى بثقة ومصداقية لا يمكن الطعن فيهما.
المملكة بحاجة ماسة إلى تجديد نخبتها السياسية. هذا ما يُجمع عليه كثيرون؛ داخل مؤسسات الدولة وخارجها. وتجديد النخبة لا يتحقق إلا عبر صناديق الاقتراع وبوابة البرلمان. هناك تولد الوجوه الجديدة، وتتشكل الحكومات، وتتكون النخب. وقد توفرت حاضنة تشريعية اليوم تجعل إنجاز مثل هذه المهمة أمرا متاحا.
والمرحلة المقبلة تحتاج إلى نخب من كل الاتجاهات؛ تقدميون ومحافظون، إسلاميون ويساريون، ورموز اجتماعية واقتصادية وازنة. رجال دولة عملوا في مؤسسات، ومعارضون هتفوا مع الإصلاح في الشوارع.
لقد نجحت الدولة الأردنية في تجاوز محطات صعبة في السنوات القليلة الماضية، لكن تنتظرها تحديات أكبر وأكثر تعقيدا، في إقليم ليس مرشحا أبدا للاستقرار في وقت قريب. ثمة حاجة إلى نخبة صلبة ومؤمنة بالدولة، لحمل أعباء المرحلة المقبلة، والمضي بمشروع تطوير المملكة الرابعة نحو آفاق أوسع.
الأردن محاط بالأعداء من كل الاتجاهات. لا أصدق أن له أصدقاء أبدا في الجوار. ولتحمل ضغوط الإقليم الملتهب، نحن في أمس الحاجة إلى حلف الإخوة في الداخل؛ حلف الدولة الأردنية مع كل الأطياف والأحزاب والشخصيات، من كان منهم في موقع وغادره، ومن يستعد منهم للعودة.