لا أستطيع التعبير عن فرحتي بالاهتمام بشأن مصر العزيزة من دول مجلس التعاون الخليجي، وإغداق المال على خزينتها من أجل رفاهة شعب مصر العظيم، فمصر العروبة لا غنى للعرب عن جندها، ولا عن جغرافيتها.
(1)
اعلنت المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، عن الإسهام في توفير احتياجات مصر من البترول لخمس سنوات. والمعروف أن مصر تنتج من البترول أكثر من 690 ألف برميل يومياً، وتنتج من البوتاغاز 2.5 مليون طن، ومكثفات 30 مليون برميل سنوياً، (تقرير الهيئة العامة للبترول 2015)، ومن الغاز الطبيعيي 4.526 ملايين قدم مكعب يومياً، وتصدّر الغاز إلى الأردن وإسرائيل، ما يعني أن مصر لا تحتاج إلى بترول وغاز من خارج حدودها.
أمر الملك سلمان بن عبد العزيز بزيادة الاستثمارات السعودية في مصر عن 30 مليار ريال سعودي (8 مليارات دولار)، وقد أعلن ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ذلك في اجتماع “مجلس التنسيق السعودي المصري” في القاهره الأسبوع الماضي. والكل يعرف أن مجموعة من دول الخليج العربية أعطت مصر دعماً مالياً تجاوز 20 مليار دولار، وتقول رواية أخرى إن نظام حاكم مصر، الجنرال عبد الفتاح السيسي، حصل على 50 مليار دولار، عندما تم إسقاط نظام رئيس الجمهورية المنتخب، الدكتور محمد مرسي، وتبرعت السعودية بمفردها بدفع 4 مليارات دولار ودائع ومشروعات استثمارية في مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي في مارس/ آذار الماضي، وفعلاً سددت السعودية نصف المبلغ المشار إليه.
في مقابل ذلك العطاء السخي من دول الخليج للنظام المصري، بقيادة الجنرال السيسي، ماذا قدمت مصر لدول الخليج العربية؟ المعلومات المتوفرة لكل باحث عن الحقيقة في العلاقات المصرية ــ الخليجية، أن مصر تخلّت عن وعودها في نصرة “عاصفة الحزم” عملياً، وأنها تصفّ في الجانب الآخر من القضية السورية المخالف لموقف الدول الخليجية، وأنها سكتت عن التدخل الروسي المسلح في سورية ضد المعارضة السورية التي تناضل من أجل إطاحة نظام بشار الأسد الذي استخدم أسلحة محرّمة ضد الشعب السوري الشقيق، وما برحت تحاصر قطاع غزة مع إسرائيل، بل إنها عملت على تغيير معالم الطبيعة بين فلسطين ومصر عن طريق حفر قناه بحرية لإلحاق الضرر بالمياه الجوفية لقطاع غزة، وإلحاق الأضرار بالأراضي الزراعية الفلسطينية. ولمّا كان الصمت موقفها من التدخل الروسي المسلح في سورية، والصمت علامة الرضا، فإن ذلك يعني تأييد الموقف الإيراني في سورية ولبنان والعراق واليمن والبحرين والكويت، بصرف النظر عن بيانات صحافية تصدر من مصر خلافاً لذلك.
(2)
تناول كاتب هذه السطور العلاقات الأردنية الخليجية في أكثر من مناسبة، وتحدّث، في عدة مناسبات إعلامية، يحض دول مجلس التعاون على استقطاب الأردن إلى جانبها، فهو، أعني الأردن، إن وعد أوفى بوعده، وإن قاتل دفاعاً عن الخليج أخلص وقدّم الضحايا، دفاعاً عن الخليج، ولست في حاجة لضرب أمثلة على ذلك، فالتاريخ شاهد، وإذا صادق أخلص في صداقته، فلماذا يشيح قادة مجلس التعاون بوجوههم عن الأردن؟ لماذا يجعلونه فريسة لأعداء الخليج العربي، ويسهلّون استقطابه من غيرهم؟ ليست مصر العزيزة علينا جميعاً في حاجة إلى نفط وغاز، كما أشرنا، والأردن العزيز في حاجة إلى النفط ومشتقاته، ولم تشمله قياداتنا بالرعاية في هذا المجال. الاستثمار في الأردن واعد، وأرضه خصبة، ورجاله فاعلون في كل مجال.
“نريد، نحن الشعب، في الخليج العربي، أن نعرف العلاقات التي تجعلكم تغدقون على مصر، وهي أغنى من الأردن، وتشحّون على أهل الأردن الشجعان، وهم في حاجة، ولم يتردّدوا لحظة في الاستجابة لندائنا في الأزمات”
نريد، نحن الشعب، في الخليج العربي، أن نعرف العلاقات التي تجعلكم تغدقون على مصر، وهي أغنى من الأردن، وتشحّون على أهل الأردن الشجعان، وهم في حاجة، ولم يتردّدوا لحظة في الاستجابة لندائنا في الأزمات. صارحونا، يا حكامنا الميامين، لنصادق من تصادقون، ونعادي من تعادون.
الأردن، من أوائل من استجاب لدعوة إنشاء “تحالف إسلامي ضد الإرهاب”، وهو الذي يقف على تخوم دائرة الإرهاب بكل ألوانه وأصنافه في العراق وسورية وإسرائيل، وعبر البحر الأحمر إلى اليمن والخليج، إنه يقع في مثلث الرعب، فهل أنتم، يا قادتنا، تدركون أهمية الموقع الأردني، وقدرة رجاله على التصدي والتحدي لكل المخاطر التي تتربّص بنا في الخليج والجزيرة العربية.
(3)
يعاني السودان الشقيق من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها أميركا في زمن الرئيس بيل كلينتون عام 1997، بذريعة أن النظام فيه مقيّد للحريات العامة، ومؤيّد للإرهاب، وغير ديمقراطي، فحوصر السودان، وساهم كل العرب في حصاره، استجابة للقرار الأميركي. وسؤالي اليوم إلى العرب، خصوصاً الذين استجابوا للقرار الأميركي، مَن أكثر دكتاتورية اليوم، وقاتل شعبه بجميع أنواع الأسلحة، وشرّده إلى خارج الحدود، أليس بشار الأسد الذي تعينه روسيا والصين وإيران، أو الرئيس السوداني عمر البشير؟ من هو المضطهد مانع الحريات العامة، وفي سجونه أكثر من 50 ألف معتقل من كل طوائف الشعب المصري الرافضين نظامه، عبد الفتاح السيسي أو البشير؟
يدفع المواطن السوداني الثمن اليوم، ولا معين له إلا الله، لكن الله يمهل ولا يهمل. وقف نظام البشير بكل قوته مع قضايا أمته العربية، فهو ضد العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين، وخصوصاً على غزة، والعدوان على لبنان. واليوم يقف جيشه جنباً إلى جنب، في حرب عاصفة الحزم، واستشهد منهم رجال سيخلّدهم التاريخ. وهو اليوم يؤيد بكل قوة الدعوة التي أطلقتها السعودية لتشكيل “التحالف الإسلامي ضد الإرهاب”، وهو صادق في قوله. يتمنى المواطن العربي رفع الحصار عن السودان عربياً، والاندفاع نحو مساعدته، للخروج من الضائقة الاقتصادية، استثماراً وودائع مصرفية، ولا نقول هبات.
آخر القول: السودان والأردن أمانة في أعناقنا، نحن أهل الخليج، فسارعوا إلى استقطابهما لخليجنا العربي.