أسبغ دبلوماسيون وساسة وإعلاميون أوصافا عديدة على قرار مجلس الأمن الدولي حول سورية، بعد مصادقة الدول الكبرى على خطة سلام روسية أميركية. منهم من وصف القرار بالتاريخي، والنادر، وآخرون قالوا إنه غير مسبوق.
لكن القرار في الجوهر ليس سوى بداية لعملية طويلة وشاقة، قد تنهار في أية لحظة، وربما لن تبدأ أصلا. ومن الناحية العملية لايحمل جديدا يذكر؛ فهو ترجمة أمينة للعناصر التي وردت في خريطة الطريق التي توافقت عليها القوى الكبرى في اجتماعي فيينا الأول والثاني، ويستند في فلسفته لبيان جنيف2.
بمعنى آخر القرار لايبني على مقررات تلك الاجتماعات، إنما أعاد صيغتها على شكل قرار يحظى بموافقة القوى الدولية. هذا ليس بالأمر الهين طبعا، لكن القضايا التي كانت محل خلاف في السابق ماتزال على حالها بعد القرار الأممي؛ مصير الأسد، تصنيف التنظيمات الإرهابية، وطبيعة الحل السياسي المقبل.
من المفترض أن يدعو الأمين العام للأمم المتحدة وفدي المعارضة والنظام مطلع الشهر المقبل لبدء مفاوضات الحل السياسي، بالتزامن مع ذلك يتعين على المنظمة الأممية التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سورية يستثنى منه العمليات العسكرية ضد التنظيمات الإرهابية؛ داعش والنصرة.
لكن من يتخيل حدوث ذلك بنفس سهولة سردها في القرار الدولي؟
وفد المعارضة يفتقر للتفاهم المشترك على أسس التفاوض مع النظام، ويضع عددا من الاشتراطات المسبقة مثل إطلاق سراح المعتقلين في سجون النظام، وفك الحصار عن مدن سورية، ناهيك عن الشرط السياسي المتمثل باستبعاد أي دور للرئيس الأسد في المرحلة الإنتقالية. النظام وافق على الجلوس مع وفد المعارضة، لكنه يتحفظ على أطراف شاركت في اجتماع الرياض، ويرفض معظم شروط المعارضة، وغير مستعد لتقديم تنازلات جوهرية بعد.
إن الظروف التي أدت إلى فشل المباحثات بين وفدي المعارضة والنظام في جنيف قبل ثلاث سنوات ماتزال قائمة، لا بل أكثر تعقيدا اليوم، بالنظر إلى التطورات الميدانية.
أما ضمان وقف إطلاق النار، فإنه يكاد يكون أمرا مستحيلا قبل اتفاق القوى الإقليمية والدولية على قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية. وقد بدا الخلاف واضحا على القائمة “التجميعية” التي”نسقها” الأردن، وقدمها للشركاء الدوليين.
سورية تعجّ بعشرات الفصائل المسلحة، وبالجماعات الممولة من دول خارجية ليس لها مصلحة في حل لا يخدم مصالحها، وهى قادرة في كل لحظة على إفشال أي وقف لإطلاق النار.
الجيش النظامي السوري ومعه قوات الحلفاء؛ الروس والإيرانيون لن يترددوا عن تنفيذ عمليات عسكرية ضد تنظيمات إرهابية من وجهة نظرهم، ومعتدلة من وجهة نظر دول إقليمية كتركيا والسعودية. وفي المنطقة الرمادية ثمة جماعات مسلحة قادرة على خلط الأوراق ونسف وقف إطلاق النار على كل الجبهات. لم نصل في الحديث بعد إلى الفصائل الكردية التي تقاتل في أكثر من ميدان، ومايزال مصيرها في المفاوضات غامضا.
لقد وضع القرار سقوفا زمنية لعملية الانتقال السياسي؛ حكومة انتقالية في غضون ستة أشهر، وانتخابات عامة خلال 18 شهرا. هل يمكن لسورية المحطمة اليوم أن تشهد انتخابات بعد سنة ونصف؟ تقبّل مثل هذا الاحتمال يحتاج لخيال واسع.