رغم استهداف تنظيم “داعش” الإرهابي لأكثر من عام، إلا أنه ما يزال يقوى، ويتوفر له ما يريد من أموال؛ إذ ما يزال تمويله كبيراً جدا لم يتوقف، إن لم يكن في ازدياد!
ليست هي المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن تجفيف مصادر تمويل التنظيم الإرهابي، وربما لن تكون الأخيرة، حتى بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي، وقراراته بهذا الخصوص.
مصادر تمويل “داعش” وإيراداته متعددة متفرعة، على رأسها طبعاً إيرادات النفط الشهرية. إذ تؤكد المعلومات أن التنظيم يسيطر على إنتاج 30 ألف برميل من النفط يومياً في العراق، وحوالي 50 ألف برميل في سورية؛ يتم بيع أغلبها في السوق السوداء بسعر مخفض. والراجح أن الوسطاء هنا شخصيات “كبيرة” وليسوا أفراداً بسطاء مجهولي الهوية.
هكذا، توفر إيرادات النفط بشكل متواصل مبالغ كبيرة تساعد “داعش” على البقاء والتوسع. إذ تتجاوز قيمة هذه الإيرادات مبلغ 100 مليون دولار شهريا، تستخدم –طبعا- في تمويل الهجمات الإرهابية وتأمين الرواتب المغرية لاستقطاب مزيد من الإرهابيين من مختلف بقاع الدنيا، بما في ذلك أوروبا والولايات المتحدة.
للأسف، فإن الضربات الجوية لم تضعف “داعش”، وليكون منطقياً بالتالي توقع أن الحرب ضده ما تزال طويلة. وحتى لو افترضنا نجاح مساعي الحد من موارد التنظيم المتأتية من النفط بأي درجة كانت، فإنّ التذكير بباقي الموارد ضرورة، لأن “داعش” يمتلك مصادر دخل أخرى؛ من بينها بيع “السبايا والعبيد”! إلى جانب الأموال المتحصلة من فدى اختطاف الرهائن، ونهب الأراضي الزراعية، عدا عن الضرائب والرسوم التي يحصّلها من مناطق سيطرته. ولتكون النتيجة “صمود” التنظيم وقدرته على القتال لسنوات.
إذن، خطط تجفيف التمويل لا تكفي. ولا داعي للتذكير بأن كل المتعاملين مع “داعش” اليوم وسطاء يدركون أن ذلك غير قانوني، لكنهم مستمرون في فعلهم الإجرامي، لأن من يمول الإرهاب مجرم بالضرورة. وعلى هذا الأساس، فان متطلب النجاح في تجفيف مصادر تمويل التنظيم يكمن في فعالية الضربات الجوية وجدية الحرب عليه من قبل القوة العظمى؛ أميركا، وإلا ستبقى القرارات والخطط مجرد حبر على ورق.
والضمانة الأهم لنجاح هذه الخطوة تتمثل في إخراج “داعش” من المناطق التي يسيطر عليها، وبالتالي حرمانه من تجارة النفط. وبالتزامن مع ذلك استهداف البنية التحتية التي تخدم صناعة النفط الداعشية.
أما حصار التنظيم بالقرارات الأممية فلن يفيد في شيء، خصوصا أن جهود تحقيق إغلاق قنوات التمويل تأخرت كثيرا. فإتجار “داعش” بالنفط ليس سرا، وأظن أن أسماء الوسطاء والدول كافة التي تتعامل به معروفة للمؤسسات الأميركية وغيرها. وهؤلاء يجب أن يدانوا تبعا لمخالفتهم قوانين تمويل الإرهاب. فالوسطاء خصوصاً يكسبون الملايين من الإرهابيين، وهم يدركون خطورة فعلهم.
مئات الملايين التي تصل لداعش معلومة المصادر بالتأكيد. وتحركات هذه المبالغ، والتبادل التجاري للتنظيم مسألة يمكن الوقوف عليها. لكن، يظل الأهم –مرة أخرى- توجيه ضربات حقيقية تحد من نفوذه على الأرض، وسيطرته على موارد النفط وآباره.
صحيح أن “دولة داعش” الإرهابية موجودة في سورية والعراق، لكن بعد ما حدث في باريس وكاليفورنيا وغيرهما، لم يبق أحد في مأمن من أن يضربه الإرهاب. ولذا يلزم تنفيذ قرارات وقوانين منع تمويل الإرهاب، وأن تطرح الأسئلة العميقة التي تتعلق بوجود “داعش” وبقائه بيننا بشكل يهدد الجميع حتماً.
ثمة رأي يقول إن الإرادة الحقيقية لمحاربة “داعش” لم تتوفر حتى الآن، رغم كل ما يقال خلاف ذلك. والخشية أن نصل إلى حكم مشابه بعد مدة، يتعلق بجدية تجفيف مصادر تمويل التنظيم.
الأهم من تجفيف الموارد المالية تحييد نفوذ داعش بحرب حقيقية توجع هذا التنظيم وتحد من مخاطره.