عروبة الأخباري- أصبح لتنظيم «داعش» فرعٌ رسميٌّ في محافظة درعا من خلال «لواء شهداء اليرموك»، الذي أفصح للمرة الأولى عن ارتباطه به، بينما تتزايد المؤشرات على تصاعد عمليات خلاياه النائمة في إدلب، وضلوعها باغتيال الناشطين وقيادات الفصائل. في حين ما يزال الغموض يحيط بمصير زعيم «جبهة النصرة» في الجنوب أبو جليبيب الأردني الذي صدر قرار عزله من منصبه من دون تبيان السبب.
وقد جاء الإصدار الذي نشره «لواء شهداء اليرموك»، أمس الأول، بعنوان «شفاء الصدور»، وتضمن مشاهد لإعدام اثنين من مسلحي «جبهة النصرة» عبر تفجيرهما، ليؤكد صحة ما كان يقال حول وجود مبايعة سرية له تجاه تنظيم «داعش»، حيث احتوى الإصدار على مشاهد وعبارات لا تترك مجالاً للشك بذلك.
ومن قبيل هذا رفع راية التنظيم أثناء عملية الإعدام، وهتاف أحد العناصر بشعار «دولة الإسلام باقية». كما أن عناصر «شهداء اليرموك»، على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحوا يعلنون تبعيتهم لـ «داعش» من دون أي تحفظ كما كانوا يفعلون في السابق.
وقد كانت «السفير» أشارت منذ تموز الماضي إلى أن «ولاية درعا» أصبحت أمراً واقعاً، لا سيما بعد إعلان «اللواء» عن تأسيس «محكمة شرعية» خاصة به، يكون مقرها بلدة الشجرة، وكذلك تأسيس ما اسماها «شرطة إسلامية». ولفتت «السفير» آنذاك إلى أن هذه الإجراءات التي تم وضعها في سياق «التمكين» تدل على نية «اللواء» الإعلان عن إمارته، وهو ما أكده الإصدار الأخير الذي سيشكل تحدياً كبيراً لـ«جبهة النصرة» و»أحرار الشام» بسبب الاقتتال الدائر بينهم، كما سيؤدي إلى تعقيد الأوضاع في المحافظة التي أصيبت الفصائل فيها بحالة غير مسبوقة من التخبط والتفكك.
وما يزيد من الوضع سوءاً حوادث الاغتيال التي تستهدف الناشطين وقادة الفصائل ورؤساء المؤسسات، وكان آخرهم اغتيال رئيس «دار العدل» أسامة اليتيم، الذي يشبِّه البعضُ اغتيالَه بحادثة اغتيال أبي خالد السوري من حيث حساسيتها والتداعيات التي يمكن أن تترتب عليها.
وكان «أمير النصرة في الجنوب» أبو جليبيب الأردني، واسمه إياد الطوباسي، قد تعرض لمحاولة اغتيال قبل نحو أسبوعين، لكن الأنباء تضاربت حول نتيجتها. ففي حين نفت «جبهة النصرة» أن يكون «أميرها» قد تعرض لأي سوء برغم إقرارها بتفجير العبوة بسيارته، كان ناشطون مقربون من «شهداء اليرموك» يؤكدون أن أبي جليبيب لقي مصرعه بسبب التفجير.
إلى أن كانت المفاجأة، يوم أمس، حيث سرّبت «جبهة النصرة»، عبر نشطاء تابعين لها، أنها أصدرت قراراً يقضي بعزل أبو جليبيب من منصبه، وتعيين الفلسطيني أبو أحمد الشامي (أبو أحمد أخلاق) مكانه، من دون توضيح سبب العزل أو تبيان مصير «الأمير» السابق الذي لم يظهر إلى العلن منذ حادثة تفجير سيارته، الأمر الذي عزز الشكوك حول احتمال مقتله، أو على الأقل احتمال إصابته بإصابة تمنعه من أداء عمله. وسبق لأبي أحمد الشامي أن تولى عدة مناصب في «جبهة النصرة»، حيث كان أحد «أمراء» المنطقة الشرقية، كما كان مندوب «النصرة» لدى «جيش الفتح في الجنوب».
ويعتبر أبو جليبيب من صقور «جبهة النصرة»، ومن رموز «تيار المقدسي» الذي تربطه علاقة قوية جداً مع الشيخ الأردني أبو محمد المقدسي، لدرجة أن الأخير يملك نفوذاً ضمن هذا التيار أكثر من زعيم «النصرة» أبي محمد الجولاني.
وكانت العلاقة بين الجولاني وأبي جليبيب (الطوباسي) قد مرت بمطبات عديدة، وسادت بينهما الكثير من الخلافات، حتى أن بعض المقربين من الجولاني اتهموا أبي جليبيب بالتقصير وبلعب دور في تقليل أعداد المنضمين إلى «جبهة النصرة» في الجنوب، لعدم رغبته في انضمام أعداد كبيرة من السوريين إلى فرعه في درعا.
ومن الجدير بالذكر أن الطوباسي هو أحد أعمدة «جبهة النصرة»، وكان صديقاً ومساعداً سابقاً لأبي مصعب الزرقاوي، الذي ما زالت «جبهة النصرة» تدين له بالاحترام والتقدير، لذلك فإن عزله ليس بهذه البساطة، خاصة أن الجولاني كان يمتنع عن اتخاذ هذه الخطوة برغم كل الشكاوى التي كانت تصل إليه، آخذاً بالحسبان أن الطوباسي لم يتخلَّ عنه عندما اندلع الخلاف مع البغدادي في نيسان العام 2013. ومن المرجح في هذه الحالة أن الجولاني استغل حادثة الاغتيال، وربما إصابة الطوباسي ليتخذ القرار الذي كان يتجنبه خوفاً من تداعياته.
ولكنّ درعا ليست الوحيدة التي تعاني من الاغتيالات المجهولة، فمدينة إدلب في الشمال السوري، والتي تبعد عنها مئات الكيلومترات، تشهد حوادث مماثلة، وتقيَّد جميعها ضد مجهول.
وقد كان آخر الاغتيالات التي شهدتها المدينة اغتيال الناشط في حملة «الرقة تذبح بصمت» أحمد محمد الموسى، الذي لقي مصرعه، أمس الأول، بالقرب من منزله في بلدة سنجار بريف إدلب بعد إطلاق النار على رأسه من قبل مجهولين كانوا على متن دراجة نارية.
والموسى هو الشقيق الأكبر لمؤسس حملة «الرقة تذبح بصمت» حمود الموسى الذي يُعتقد أنه يحظى بتمويل ودعم خارجيين. وهذه هي حادثة الاغتيال الثانية التي تطال ناشطين في حملة «الرقة تذبح بصمت»، حيث ذهب ضحية الحادثة الأولى، التي وقعت في تشرين الأول الماضي، الناشط إبراهيم عبد القادر الذي وُجد في شقته في مدينة أورفا التركية، وهو مقطوع الرأس. كما كان تنظيم «داعش» قد أقدم في حزيران الماضي على إعدام والد الناشط أحمد محمد الموسى والاستحواذ على منزله وممتلكاته في مدينة الرقة.
وشكّل اغتيال الموسى صدمة كبيرة لقادة الفصائل وناشطي المدينة، لأنه أعطى الدليل على أن ذراع «داعش» أطول مما كانوا يعتقدون، وأنها قادرة على الوصول إلى عقر دارهم في مدينة إدلب التي تُعدّ معقلهم الحصين. وهو ما جدد الحديث عن خلايا «داعش» المنتشرة في محافظة إدلب، والتي يُعتقد أنها هي من ترتكب الاغتيالات فيها، وذلك وسط مخاوف أن تكون هناك «بيعات» سرية من قبل بعض الفصائل للتنظيم، مع الإشارة بشكل خاص إلى «جند الأقصى» الذي تعرض في السابق إلى حملة ضخمة لدفعه إلى التعبير عن موقفه من التنظيم، لكنه عوضاً عن ذلك قرر الانسحاب من «جيش الفتح» مصرّاً على موقفه، وهو أن قتال «داعش» بالنسبة له هو قتال «دفع الصائل» (أي دفاعاً عن النفس) ولا يجوز ابتداؤه بالقتال.(السفير)