بعيدا عن الأضواء، أبرمت تركيا وإسرائيل اتفاقا أوليا لتطبيع العلاقات بين البلدين في سويسرا، بعد أن تدهورت قبل نحو خمس سنوات على إثر الاعتداء الإسرائيلي على سفينة مرمرة التركية التي شاركت في أسطول بحري لفك الحصار عن قطاع غزة، وقتل في الحادث عشرة مواطنين أتراك.
بموجب الاتفاق الذي سيوقع عليه الجانبان بشكل رسمي خلال أيام، ستدفع إسرائيل تعويضا ماليا لضحايا السفينة مرمرة، ويعود السفراء بين البلدين، كما ستستأنف المباحثات لتصدير الغاز الإسرائيلي إلى تركيا. في المقابل، تلتزم حكومة أحمد داود أوغلو بعدم السماح للقيادي في حركة “حماس” صالح العاروري، بدخول أراضيها.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف “التفاهمات” بأنها مكسب لتركيا وإسرائيل ودول المنطقة.
إسرائيل التزمت، حسب الاتفاق، بالشروط التي وضعها أردوغان لتطبيع العلاقات بين البلدين، وكانت تركيا قبل مباحثات سويسرا، حصلت على اعتذار إسرائيلي عن حادث الاعتداء على سفينتها، باستثناء شرط واحد تنازلت عنه تركيا وهو رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة.
واقع الأمر أن تركيا استثمرت حادثة “مرمرة” خدمة لمصالحها. واتفاق سويسرا مناسبة تذكرنا بحقيقة ثابتة، وهي أن العلاقات بين الدول تحركها المصالح لا المبادئ، كما يتوهم البعض.
نالت تركيا بموقفها من إسرائيل مساندة واسعة من الشارع العربي، وتحول أردوغان إلى بطل في نظر قطاع واسع من الرأي العام العربي. الحكومة التركية، في المقابل، استثمرت هذا الدعم للوصول إلى اتفاق يخدم مصالحها فقط لا غير.
لسنا هنا في معرض إدانة تركيا أو تأييد خطواتها لتطبيع العلاقات من جديد مع إسرائيل، فهذا شأن يخص الأتراك. لكن، أوليست هذه فرصة للرأي العام العربي لمراجعة مقارباته، ولنقُل أوهامه حيال القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة؛ تركيا وإيران وإسرائيل؟
تركيا قوة إقليمية كبرى، تتخذ من المواقف والسياسات فيما يخص القضية الفلسطينية والأزمة السورية، ما يخدم مصالحها. لقد وجدت نفسها في أزمة مع روسيا بعد حادثة “سو24″، ومهددة بفقدان الغاز الروسي، فاندفعت لتسريع خطوات المصالحة مع إسرائيل تحسبا لعقوبات روسية.
إيران “الثورة الإسلامية” ربت أجيالا من شبابها على أن أميركا هي “الشيطان الأكبر”. وحين لاحت فرصة للمصالحة، وقعت مع “الشيطان” اتفاقا تاريخيا حول ملفها النووي. اليوم، تتطلع إيران لتكون الشريك الاقتصادي الأول للغرب في الشرق الأوسط. وفي سورية تقاتل من أجل ضمان مصالحها لا مصالح النظام ولا الشعب السوري، مثل تركيا تماما التي تريد أن تحول شمال سورية إلى حديقة خلفية؛ أمنية واقتصادية.
يحزن المرء حين يتابع السجال الدائر والحرب الإلكترونية المحتدمة بين فريقين عربيين؛ أنصار إيران وأتباع أردوغان، وكأنهما من صلب عروبتنا، وحماتها.
إسرائيل هي أيضا كيان مصالح لا مبادئ؛ تفتح في الخفاء خطوط الاتصال مع ألد الأعداء، وتهاجمهم في العلن، تناور على جميع الجبهات العربية والإقليمية. وفي السنوات القليلة المقبلة، ستشهدون مفاجآت لم يكن احد ليتصور حدوثها في المنطقة.
ماذا سيقول أصدقاء تركيا في الأردن والمنطقة من حلف الممانعين، إذا ما استوردت تركيا الغاز من إسرائيل؟
وأي موقف سيتخذه الممانعون على الطرف الآخر حين يشاهدون الماركات الأميركية الشهيرة تلمع في سماء طهران؟