تسابق القوى الدولية الزمن للتوصل إلى تفاهمات جوهرية بشأن ثلاثة ملفات عربية ضاغطة؛ اليمن وليبيا وسورية.
أقصى ما يأمله اللاعبون الدوليون قبل عطلة الأعياد، وقفا لإطلاق النار على جبهات القتال، واتفاقا على بدء مفاوضات بين الأطراف المتنازعة.
في ليبيا، ثمة تقدم ملموس. ومن المفترض أن توقع القوى الليبية اليوم اتفاق الصخيرات. لكن ما من ضمانات بعد بالتزام الفصائل المسلحة بوقف كامل للعمليات القتالية المتبادلة.
في اليمن، انهار وقف إطلاق النار قبل أن يشرع ممثلو الأطراف المتصارعة في حوار جنيف. وظهر جليا الفارق الكبير بين النوايا السياسية والوقائع الميدانية، حيث لا قدرة لطرف على ضمان التهدئة في بلد خبر البنادق والخنادق لعقود طويلة.
أما في سورية، فإن الكلام عن وقف لإطلاق النار يصلح ليكون نكتة نهاية العام. كيف لبضعة لاعبين سياسيين في الخارج أن يضبطوا مئات الفصائل والكتائب على الأرض، كثير منها لم يشارك في لقاء الرياض، والبعض منها غير معني أصلا بعملية الانتقال السياسي من أساسها؟!
لقد فشلت جهود المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا من قبل في تثبيت وقف إطلاق النار ببضعة أحياء في حلب، فهل تنجح اليوم في عموم سورية؟!
لا نقرأ في الكف، لكن الوقائع وتجارب السنوات الماضية، لا تبشر بقرب الانفراج على كل الجبهات.
رغم التوافقات الظاهرة بين روسيا والولايات المتحدة حول بعض القضايا، إلا أن الخلافات بينهما ما تزال كبيرة، على ما أكد الطرفان بعد مباحثات وزير الخارجية الأميركي جون كيري في موسكو أول من أمس.
اتفقا على عقد اجتماع نيويورك اليوم؛ هذا تطور مهم، وتفاهما بشكل مبدئي على أولوية الحرب على “داعش”، وعلى قائمة المنظمات المصنفة كإرهابية. حسنا، لكن اتفاق واشنطن وموسكو لا يكفي من دون موافقة لاعبين إقليميين مهمين.
ثم هناك المعضلة الأبرز ما تزال من دون حل؛ الخطوات المطلوبة لتطبيق مبادئ “جنيف1” وبيان “فيينا2”. مصير الأسد في المرحلة الانتقالية، وموقف المعارضة السورية بهذا الخصوص.
هل يمكن، إذن، توقع اختراق كبير في نيويورك؟ يصعب على أشد المتفائلين القول نعم.
صحيح أن الحرب أنهكت الأطراف جميعها؛ ليس في سورية فحسب، وإنما في ليبيا واليمن أيضاً، لكن بين المتصارعين من يقول: خسرنا الكثير ولم يعد هناك ما نخسره، فلماذا نسلم الراية؟ وثمة قوى في الميدان مستفيدة من استمرار الصراعات، في وقت لم تعد فيه قوى اجتماعية متماسكة وقادرة على لجم المتحاربين. المجتمعات في تلك الدول أصبحت خارج اللعبة؛ انهارت الروابط التقليدية، وحلت مكانها العصبيات الطائفية والإثنية والمذهبية.
لا يوجد على الأرض اليوم من هو مستعد لحماية السلم الأهلي، أو الوقوف في وجه المسلحين. في ليبيا على سبيل المثال، يعم استقرار نسبي العاصمة طرابلس، لكن مدنا أخرى تأكل بعضها؛ سرت في قبضة “داعش”، فيما مدن أخرى تخضع لحكم ذاتي خارج سلطة الحكومتين.
اليمن حدث ولا حرج؛ كيانات تتصارع على حكمها جيوش وكتائب ومنظمات إرهابية.
سيمضي الشرق والغرب إلى إجازات الأعياد، ويعود المتفاوضون العرب من روما ونيويورك وجنيف إلى حيث كانوا؛ موت وقتل وتهجير، يستهلون بها عاما جديدا.