هل نجح وزير التربية والتعليم د. محمد الذنيبات، في احتواء “حراك التوجيهي” بعد التوضيحات التي أدلى بها في لقائه مع الطلبة المحتجين؟
نأمل ذلك؛ فمن الخطورة بمكان ترك آلاف الطلبة يتظاهرون في الشوارع يوميا. احتكاك بسيط مع رجال الأمن قد يكلفنا الكثير، وفي الزوايا الخلفية أطراف تتحين الفرصة لركوب الموجة، واستغلال الزخم الطلابي لغايات أخرى.
كان يمكن لوزارة التربية أن تتجنب التصعيد مبكرا، بطرح مقترح إجراء امتحان “التوجيهي” مرة واحدة للنقاش العام، قبل أن تتخذ قرارا نهائيا بشأنه. وما فهمته من تصريحات سابقة للوزير، أن التوجه لإلغاء الامتحان على مرحلتين قد أقر العام 2013، واعتمد بتوصيات مؤتمر التطوير التربوي الأخير.
لكن الوسط التربوي والطلابي بدا متفاجئا بالخطوة، وكأنه لم يسمع بها من قبل. ولهذا السبب ربما، جاءت ردة الفعل الغاضبة. وزاد من صعوبة الوضع موقف نقابة المعلمين المعارض للقرار، وقد يكون لموقفها هذا تأثير على مزاج الطلبة الذين اندفعوا إلى الشارع في أكثر من محافظة وفي نفس التوقيت تقريبا.
ومن بين ردود الفعل والتعليقات على القرار، يسهل على المرء ملاحظة الانقسام في الآراء حياله، مع ميل الأغلبية من التربويين والمعلمين إلى معارضته، لاعتبارات كثيرة.
حاول الوزير الذنيبات من جهته حشد الأدلة والبراهين التي تدعم قراره. وحين اشتدت الضغوط عليه في الشارع، حاول كسب الطلبة إلى جانبه بعروض “جذابة”، من قبيل تخفيض عدد المواد التي يتقدم الطلبة للامتحان فيها، وتلك التي تدخل في احتساب المعدل. وقد تمكن من استمالة نسبة من المحتجين إلى جانبه، وظهر ذلك يوم أمس بتراجع مظاهر الاحتجاج والتظاهر من قبل الطلبة.
لكن ذلك ليس كافيا للقول إننا فعلنا الصواب؛ فما شهدنا من سجالات بين المؤيدين والمعارضين للقرار، افتقر للعمق، واتسم بطابع دعائي. لم نسمع مطالعة تربوية متماسكة من الطرفين غير الكلام المكرور عن تخفيف العبء على الطلبة، أو القول بأن القرار يقلص نسبة الناجحين.
هذا النوع من الملاحظات النقدية أو الداعمة تنتمي لثقافة السوق، وليس فلسفة التعليم. نحتاج إلى نقاش في الجوهر، والإجابة عن سؤال رئيس: هل تغيير طريقة الامتحان تساهم في تحسين مخرجاته أم لا؟
ليس مهما إن كان امتحان “التوجيهي” مرة واحدة في السنة أو مرتين، بعشر مواد أو ست كما هو مقترح حاليا؛ المهم هو الأثر المتوقع على تحصيل الطلبة العملي، وليس نسبة النجاح والرسوب.
الطريقة التي أدير بها النقاش من الجانبين تجارية بامتياز، والتحرك أو رد الفعل كان طابعه العام مصلحيا بحتا.
ربما يكون خلف قرار التحول عن امتحان الفصلين عبرة أكاديمية مفيدة، لكن وزارة التربية لم تفلح في عرضها للجمهور. والمعارضون أيضا أخفقوا في إقناعنا بمبررات تمسكهم بالصيغة الحالية.
إشكالية النقاش في الأساس أنه جاء بأثر رجعي، وبعد اتخاذ القرار. كان يمكن للمناقشات أن تأخذ بعدا أعمق لو أنها تمت قبل أن تضطر الوزارة إلى التفاوض على القرار في الشارع.