من بين عناصر “النهضة الأردنية” في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، برز دور الجامعات الرسمية الأردنية كعنصر من عناصر القوة الناعمة للمملكة؛ ليس على المستوى الوطني فحسب، بل والعربي أيضا. قبل يومين، كنت أستمع على إذاعة “بي. بي. سي” البريطانية لأستاذ جامعي لبناني مرموق يحظى بوظيفة معتبرة في لندن، كان قد حصل على منحة لدراسة إدارة الأعمال في جامعة اليرموك العام 1981، عن طريق مؤسسة تابعة للإمام موسى الصدر (الذي اختفى في ليبيا إبان عهد القذافي) كان الملك الحسين رحمه الله قد خصص لها مقاعد في الجامعات الأردنية حينها.
يكن الأستاذ الجامعي، واسمه الدكتور محمد حيدر، احتراما للأردن، ولجامعة اليرموك التي كان من أوائل خريجيها، ويقول إنها تأسست لتكون على غرار الجامعة الأميركية في بيروت.
هناك الكثيرون مثل الدكتور حيدر ممن درسوا في الجامعات الأردنية، وتحديدا “الأردنية” و”اليرموك”، ويشعرون بالامتنان والعرفان بالجميل لبلد منحهم نقطة البداية للانطلاق والنجاح، حتى بلغ بعضهم أعلى المراتب العلمية والمناصب القيادية.
مع التوسع الكبير في بناء الجامعات ودخول القطاع الخاص على الخط، التحق عشرات الآلاف من الطلبة العرب بالجامعات الأردنية، ويصل عدد من هم على مقاعد الدراسة حاليا حوالي 20 ألف طالب عربي.
دبلوماسية التعليم الجامعي، إذا جاز لنا القول، منحت الأردن فرصة الاشتباك مع المجتمعات العربية. أفواج من الشباب العرب يقيمون بيننا لسنوات، ويعودون إلى بلدانهم محملين بتجارب وذكريات ومعلومات وافرة عن بلدنا. إنهم في الحقيقة سفراء دائمون للأردن في العالم العربي.
ومن أنجح التجارب في هذا الميدان، تجربة أبناء فلسطين المحتلة العام 1948، التي دشنها الملك الراحل بمنحهم مقاعد في الجامعة الأردنية، فكان هذا أول جسر للتواصل مع أشقاء ظلمهم ذوو القربى يوم اعتبروهم أعداء لمجرد أنهم صمدوا على أرضهم وقاوموا مخططات التهجير الصهيونية. المئات منهم يدرسون حاليا في الجامعات الأردنية، والخريجون منهم الأكثر تميزا بين أقرانهم خاصة في التخصصات العلمية والطبية، كما يؤكد كثيرون من أبناء فلسطين. أفضل الأطباء في المشافي اليوم هم من خريجي الجامعات الأردنية، ومثلهم العشرات من المهندسين. مكانة الأردن في أوساط إخواننا في مناطق الـ48 لا تقاس مع أي بلد عربي آخر.
إنها القوة الناعمة التي لا ينبغي أن نتخلى عنها أبدا، لا بل علينا أن نتوسع أكثر في تقديم المنح الجامعية للطلبة العرب، من كل الجنسيات والطوائف والمذاهب، لنعزز حضور الأردن في محيطنا العربي، ونوسع دائرة السفراء والداعمين في أوساط الرأي العام العربي. إنه لأمر مثير حقا حين تقابل شابا عربيا تخرج من جامعة أردنية؛ صورة مختلفة تماما عن تلك الصور النمطية والسلبية التي شاعت عن الأردن بفعل فاعلين.
اللبناني الذي جاء من مدينة صور ليدرس في إربد، والعراقي الكردي الذي حضر من شمال العراق ليلتحق بالجامعة الأردنية، والفلسطيني القادم من أجمل مدن الساحل، والعشرات العشرات مثلهم، قوة إسناد للأردن، ورصيد في الشارع العربي من الواجب علينا تغذيته باستمرار.