عروبة الإخباري- كيف تحولت فتاة سعودية من «فنانة تشكيلية» إلى مقاتلة في «داعش»؟ ربما تصعب الإجابة الآن عن هذا السؤال، إلا أن مواطناً سعودياً اكتشف قبل عام أن ملامح التشدد والغلو بدأت تظهر على ابنته (28 عاماً)، حتى أنها احتجّت عليه بشدة بسبب «التدخين» و«إطالته إزاره»، ما جعله يأخذ الأمر بجدية ويرفع أقصى درجات الحيطة والحذر.
وقال أبوفهد إن ابنته كانت عروساً قبل عامين، وحدثت مشكلات مع زوجها، فأصرت على الانفصال، وعادت لتعيش في كنف والديها، إلا أنها ظلت ملازمة للوحدة وتتجنب مجالسة الآخرين، وتقضي وقتاً طويلاً تتصفح مواقع الإنترنت، قبل أن تبدأ التحرك شيئاً فشيئاً، إلى أن أصبحت تملك زمام المبادرة في المنزل، وتفرض تشددها، وحذفت القنوات الإخبارية والفنية كافة، واكتفت بقنوات دينية، ما جعله في حيرة من أمره. وكان أبوفهد يتعامل بجدية مع الحال الجديدة التي طرأت على ابنته، فمرة يتعامل برفق ولين، وأخرى يقاومها مقاومة شرسة، استعمل معها الترغيب والترهيب، ووصف ما حدث لابنته بأنه «لعنة أصابتها، إذ لم يكن من اليسير تقبل فكرها المتشدد الذي بدأ يأخذ منحى متصاعداً، وكان يجب علي الاستعداد لمواجهة المسألة».
والتقت «الحياة» أبوفهد (57 عاماً) في منزله في الرياض، وهو يمسك مسبحة يلوح بها طوال حديثه، وقد خط الشيب رأسه. وكان يعمل موظفاً حكومياً في البلدية، ولكنه استقال منذ مدة، وهو حاصل على مؤهل الثانوية العامة، ومتزوج منذ 30 عاماً، ولديه 4 أبناء: بنتان وولدان. وقال: «كنت أسمع وأشاهد ما طرأ أخيراً على الساحة السعودية وبعض البلدان العربية من استقطاب الشبان والفتيات من قبل جماعات متشددة».
وكان لديه شعور خفي بأن ابنته قد تكون مهيأة تماماً لهذه الأفكار المتطرفة، ما جعله يستعين بأحد الدعاة من أقربائه، لمواجهة ابنته وكبح جماحها، إلا أنها رفضت المناصحة، وأصرت على شق طريقها المتطرف.
ورأى أبوفهد أن مشكلة التشدد في السعودية يتحملها «دعاة زرعوا فكراً مختلفاً منذ ظهور ما تسمى (الصحوة الإسلامية) في ثمانينات وتسعينات القرن الميلادي الماضي، إذ كنت وقتها معاصراً لهذه الصحوة» التي يقول إنه ظل يرقب تطورها عبر الزمن حتى أصبحت «تقليداً اجتماعياً سائداً لدى كثيرين». وذكر أنه يدرك أن كبار العلماء في السعودية نددوا بالمتشددين ووصفوهم بأنهم ضلوا السبيل، إلا أن ظاهرة التشدد في السعودية أبعد ما تكون عن التفرد، إذ انضم الشبان من مختلف أنحاء العالم إلى صفوف الجماعات الإرهابية. وأكد أبوفهد أنه «على رغم تشدد ابنتي لم أتوقع يوماً أن تسافر وتلتحق بمتطرفين في الخارج، إذ كانت لا تميل كثيراً إلى الجهاديين في تنظيم (داعش)، بسبب وحشيتهم». وروى كيف أنه فوجئ ذات يوم، بعد أن تمكن من التجسس على هاتفها الجوال، بأنها كانت تحتفظ بملفات صوتية ومصورة لبعض المعارك التي تخوضها جماعات إرهابية، وعند مواجهتها أقرت بأنها كانت تشاهدها صدفة، وأنها لا تؤمن بما تحويه من مشاهد فظيعة. كان الأب يعتقد أن ابنته تخفي شيئاً في نفسها، خوفاً من أن يقوم بالتبليغ عنها أو تهديدها بالحبس، كما يفعل مرات عدة، قبل أن تستأذنه للذهاب إلى «العمرة» قبل 6 أشهر مع بعض النسوة، اللاتي كانت تجتمع برفقتهن في إحدى حلقات تحفيظ القرآن، وكن رفيقاتها من مكان إقامتها في الرياض إلى محافظة جدة الساحلية غرب السعودية إلى تركيا، إذ أرسلت «رسالة نصية» من هناك تفيد بأنها وصلت إلى مواقع تنظيم «داعش» في سورية.
وتحمل الفتاة «الداعشية» شهادة البكالوريوس تخصص التربية الفنية، ولديها موهبة فنية في الرسم، وشاركت في كثير من الفعاليات المصاحبة لمعرض الرياض الدولي للكتاب، ومعرض «ألوان»، وكانت هادئة ومنفتحة، وقال والدها: «كانت تشع جمالاً، ولكنها منذ زواجها لم تعد تلك الفتاة، وبدأت ملامحها في الذبول»، مؤكداً أن هناك مساعي تبذلها السفارة السعودية في أنقرة للعثور عليها وإعادتها.
وكانت أكثر من 40 امرأة سعودية هربن إلى مناطق يسيطر عليها «داعش» في سورية، وبعضهن ذهبن برفقة أطفالهن، وتعهدت سيدة سعودية تتم محاكمتها حالياً في محكمة خاصة بالإرهاب في السعودية بأنها ستهدر دمها في سبيل قيام دولة «داعش» وتمددها، كما زعمت أن ما سمّته «سوق الجنة» انعقدت بدماء وأشلاء مقاتلي «داعش»، لأنهم لم يتلوثوا بكسب حرام أو منهج مشوه، بحسب تغريدات أطلقتها على حسابها على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» (اطلعت عليها «الحياة» أمس). وتتهم المحكمة السيدة التي تدعى «مُهاجرة» بالعمل الدعائي لتنظيمي «داعش» و«القاعدة» وتكفيرها حكومة المملكة والأسرة الحاكمة ووصفهم بالطواغيت، وإعلان مبايعتها لزعيمي تنظيم «القاعدة»، أيمن الظواهري، وأسامة بن لادن.