على رغم التردد الذي أبداه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في اختيار رئيس الموساد الجديد، فإن القرار بتعيين يوسي كوهن بالذات من دون المرشحين الباقين، لم يكن مفاجئاً. فيوسي كوهن، يعتبر أكثر المقربين من نتانياهو وقد نجح في خلق علاقة قوية كسب من خلالها ثقة زوجته ساره، منذ تعيينه مستشار الأمن القومي لرئيس الحكومة.
خلال السنتين الأخيرتين، كان كوهن النصف الآخر لنتانياهو. تعيينه مستشاراً للأمن القومي لم يكن قراراً عابراً، وكوهن بذل جهوداً كبيرة واتخذ خطوات عدة حتى أقنع نتانياهو بجدارته في تولي هذا المنصب. ومنذ ذلك الوقت لم يخف أنه رغب جداً في هذا المنصب ليكون الجسر الذي يوصله إلى رئاسة الموساد. ومن خلال وجوده قريباً من رئيس الحكومة، امتلك تجربة تمنحه فرصة أكبر لتبوؤ المنصب. ونجح في ذلك، وهو يشكل اليوم في منصبه الجديد سنداً كبيراً لنتانياهو. فرئاسة الموساد تشكل أكثر المهام حساسية وأهمية في إسرائيل. إذ يتمتع رئيس الموساد بصلاحيات كبيرة وهو الشخص الذي يحق له الاجتماع والتشاور مع رئيس الحكومة، على انفراد، حول مواضيع دولية وإقليمية مهمة وحساسة ويحق للاثنين فقط اتخاذ قرارات ذات أهمية، بما في ذلك تنفيذ عمليات تبقى قيد السرية.
يعرف نتانياهو ونقاط ضعفه
خلال الشهر المقبل سيكون أسهل لنتانياهو إطلاق تهديدات وتصريحات تتماشى وسياسته الحربية في المنطقة. ويتحدث المقربون من كوهن عن أنه يعرف نتانياهو جيداً، ويعرف ما الذي يفكر فيه، وليس هذا فحسب، بل يدرك نقاط ضعف نتانياهو. أما نتانياهو فيشعر أنه حقق إنجازاً في اختياره وتكفيه المكانة التي حصل عليها كوهن من خلال ملف الحوار مع البيت الأبيض وموقفه في قضايا تدرجها إسرائيل ضمن القضايا الأمنية التي تشكل تهديداً كبيراً على أمن إسرائيل. فهو خلافاً لسلفه تمير بدرو، يعتبر الملف الإيراني الأكثر تهديداً لأمن إسرائيل، فيما تمير بيردو يعتبر الملف الفلسطيني والأوضاع الأمنية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، في غياب أي تحرك سلمي نحو التهدئة خطراً كبيراً، يضاعف التهديد الذي يشكله الملف الإيراني على إسرائيل. وفي هذا الجانب نقطة لمصلحة نتانياهو، على رغم أن رئيس الحكومة تمكن خلال فترة بيردو من طرح الملف الإيراني أمام الاميركيين بما يتوافق وسياسته. ومع هذا فإن وجود كوهن إلى جانب نتانياهو سيسهل عليه تنفيذ سياسته تجاه إيران وما يسميه «أذرعها في المنطقة»، وليست صدفة أن يتطرق نتانياهو في أول كلمة يلقيها بعد تعيين كوهن لهذا الموضوع شاهراً سيف التهديد، كعادته. فبرأي رئيس الحكومة إن «الإسلام المتطرف بقيادة إيران وداعش يهدد الشرق الأوسط والعالم كله، والإرهاب الذي ضرب باريس ولندن واسطنبول يضرب إسرائيل أيضاً… أمام تعطش أعدائنا للدماء نحن سنرد الحرب. قواتنا تعمل في كل مكان، ولديها حرية العمل الكاملة والدعم الكامل».
ولكن ثمة صعوبات قد يواجهها كوهن في التعامل مع الملف الفلسطيني. فقد شهدت أروقة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية خلافات بين الـ «شاباك» و«الموساد» و«الاستخبارات العسكرية» حول المسؤولية عن قطاع غزة، بعد أن تم تحويل الكثير من صلاحيات الـ «شاباك» إلى جهاز الـ «موساد». وفي معركته الداخلية سيواجه كوهن أزمة في العلاقة مع «شاباك»، في أعقاب الاحتكاكات الكثيرة بين الجهازين، بسبب محاولة الـ «موساد» خلال السنوات الماضية التدخل بما يجري في القطاع من خلال محاربة تهريب الأسلحة، بخاصة عمليات التهريب «ذات المغزى الاستراتيجي التي يمكن عبرها وصول أسلحة مهمة من إيران وأماكن أخرى إلى حركة الجهاد الإسلامي وحماس».
العالم العربي هدف مركزي
رجل الـ «موساد» الأول في إسرائيل يحمل ألقاباً عدة: «عارض الأزياء» و «صاحب الأناقة الاوروبية»، وهو لقب التصق به لاهتمامه الشديد بمظهره الخارجي وأناقته. ومن منحه هذا اللقب من الإسرائيليين يقول أنه «يكوي» ملابسه بنفسه، ولا يمضغ العلكة، ولا ينتعل صندالاً حتى في أيام الحر الشديد… صفات وتعليقات بدت في بعض الأحيان ساذجة ولم تهيمن على التوقعات حول ما سيستطيع كوهـــن تحقيقه خلال منصبه الجديد، ليتغلب لقب «أسطورة العملاء». كانت للرجل الذي أراده نتانياهو في رأس جهاز الـ «موساد» تجربة كبيرة في العمل الاستخباري. وقد نجح وفق التقارير الإســرائيلية، بتجنيد وتفعيل أكبر عدد من العملاء الذين نجحوا في مساعدة إسرائيل في تنفيذ عمليات حساسة جداً، حيث كان رئيساً لقسم «تسومت» الذي يتولى جمع المعلومات من مصادر بشرية، أي تجنيد وتفعيل العملاء. وخلال خدمته كرئيس لهذا القسم، حصل على جائزة أمن إسرائيل. كما ترأس قسم «كيشت» المختص بجمع المعلومات التكنولوجية، وشغل أيضاً منصب نائب رئيس الـ «موساد».
ووفق ما تناقله مطلعون على مخططات نتانياهو والأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية فسيكون أبرز ما يركز عليه كوهن تعميق قدرات الـ «موساد» العملية، خصوصاً في الـــــدول العربية. وفي هذا الجانب، أكد نتانياهو لدى إعلانه عن تعيينه أن الـ «موساد» عمل كثيراً خلال السنوات الأخيرة وسيعمل على شق طرق مع دول لا تربـــطها علاقة بإسرائيل وتطوير علاقات سياسية في أنحاء العالم، بخاصة مع دول عـــربـــية وإسلامية. وحرص نتانياهو على تأكيد مواصلة إحـــباط التهديدات الأمـــنية بواسطة العمليات التي يفضل التكتـــم عليها. كوهن أكـــد هـــذا الجـــانب في تصريحه الأول والوحيد أمــــام وســـائل الإعلام، بعد تعيينه. فقد قال صـــراحة أنه سيبذل كل ما في وسعـــه مـــــن أجل مصلحة الإسرائيليين وأمنهم وأمن الدولة العبرية. وسينفذ عمليات استخبارية «مهمة ونوعية».
وفق أمنيين، إن ما كشفه نتانياهو، خلال مشاركته في اجتماع لجنة الاقتصاد في الكنيست، في اليوم الذي أعلن فيه عن تعيين كوهن، عن تعرض محطات توليد كهرباء إسرائيلية لقصف صاروخي يجعل الخطوط الإسرائيلية الحمر لدى رئيس الـ «موساد» الجديد أكثر اشتعالاً. فقد ذكر نتانياهو في التقرير الذي عرضه أن محطات توليد كهرباء إسرائيلية تعرضـــت لقصف صاروخي من جانب حــركة «حماس وحزب الله»، خلال الحـــرب مع غزة في صيف العام الماضي حيث أطلقت الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، صواريخ باتجاه منشأة نفط ومحطة توليد الكهرباء «روتنبرغ» في عسقلان، وبعض هذه الرشقات الصاروخية أصاب منطقة المحطة وألحق بها أضراراً. كذلك فإنه خلال حرب لبنان الثانية، أطلق «حزب الله» صواريخ باتجاه محطة توليد الكهرباء في الخضيرة، التي تزود منطقة واسعة في إسرائيل بالكهرباء. صواريخ «حماس»، التي لم تكن دقيقة ولا موجهة، لم تُصب المحطة. لكن آثار ونتائج قصف «حزب الله» هذه المحطة لم تكشف.