المسألة التي باتت مركز النقاش تتمثل في “وضع الرئيس بشار الأسد”، حيث تتمسك روسيا ببقائه، وتعتبر إيران بقاءه “خطاً أحمر”، بينما كانت مواقف “الدول الغربية” تقوم على رحيله، وتتمسك السعودية وتركيا برحيله. لكن، ظهر أن تحوّلاً طاول مواقف “الدول الغربية”، التي باتت تقبل بقاءه، كما بدا من تصريحات مسؤولين فرنسيين وألمان وإنجليز وأميركيين، في موقفٍ فاجأ المعارضة السورية، التي “اكتشفت” أن أميركا تبيع سورية لإيران وروسيا، بحجة “محاربة داعش”. طبعاً الأمر لا يتعلق بداعش التي هي لعبة، بل بسياسة أميركية انسحابية، لم تكن معنية أصلاً بوضع سورية، إلا من زاوية المساومة مع روسيا. لكن، في كل الأحوال، يجب أن يكون واضحاً أن أي حل لا يزيح “الرئيس” لن يحظى بالنجاح، حتى وإنْ توافقت أميركا وفرنسا والسعودية وتركيا مع إيران وروسيا على أن يبقى. لا شك في أن القوى الدولية والإقليمية باتت تتحكم بالصراع في سورية، هذا واضح ولا نقاش فيه. لكن، على الرغم من ذلك كله، لا يمتلك هؤلاء أية مقدرة على فرض استمرار بشار الأسد.
كان ملخص المرحلة الأولى من الثورات العربية إبعاد الرئيس والحفاظ على بنية الدولة. هذا ما حدث في تونس ومصر واليمن. وفي ليبيا، قاد التدخل الأطلسي إلى تدمير الدولة، وليس إبعاد الرئيس فقط. هذه هي مقدرة الشعب الذي تمرَّد من دون قيادة وبديل. وبالتالي، كان قادراً على هزهزة الدولة فقط، وأعطى السلطة مقدرة على المناورة. في سورية، فعل الشعب ذلك، حيث هزلت الدولة إلى الحدّ الذي فرض تدخل إيران بإرسال حزب الله وعصائب أهل الحق ولواء أبو الفضل العباس وفيلق بدر وغيرها، وأيضاً الحرس الثوري الإيراني. ومن ثم فرض التدخل الروسي المباشر لحماية النظام بسحق الثورة.
لكن، لن تكون سورية الاستثناء عن الثورات الأخرى، على الرغم من كل التدخلات التي حدثت، وكل العنف والدمار والقتل والتشريد. لا شك في أن المناورة باتت ليس بيد النظام، كما في البلدان الأخرى، بل بيد روسيا وإيران، اللتين تريدان استمرار الأسد، لأنه مَنْ كرّس سيطرتهما السورية. وهذا ما جعل الحل غير ممكن، وفرض استمرار الصراع، بعنف أشدّ. ولا زال يعقّد كل إمكانية للوصول إلى حل.
هل سينجح الحل الذي يبقي على بشار الأسد، حتى وإنْ أيدته أميركا وأوروبا؟
تتعلق المسألة، هنا، بمطالب الشعب، وعلى الرغم من كل ما جرى من قتل وتدمير وتشريد، ومن دعم للنظام من دول كإيران وروسيا، وعلى الرغم من أن “أصدقاء الشعب السوري” كانوا أعداءه، وأسهموا في الاستعصاء القائم، لأنهم كذلك ضد الثورة، ضد كل ثورة، فإن أي حل يجب أن يحقق الهدف “البسيط” الذي تحقق في الثورات الأخرى، أي رحيل الأسد، وإلا فالصراع سوف يستمر، حتى وإن هدأ قليلاً. وربما بات الأمر في سورية أكثر أهميةً، بعد كل الوحشية التي مارسها النظام، وبعد التحوّل للعمل المسلح، فالحل يفترض قبولاً عاماً من الشعب، وليس توافقاً دولياً فقط، ولن يكون هذا القبول ممكناً إلا بتحقيق “شيء ما”، هو إزاحة الرئيس ومجموعته، على الرغم من أن المطالب كانت أوسع، منها تغيير النمط الاقتصادي لحل مشكلات البطالة والفقر، ومنها تحقيق الحرية. لكن، بات الممكن هو إزاحة الرئيس، وهذا ما يجب أن يتحقق في سورية.
تنطلق كل الأطراف الدولية المتدخلة من مصالحها، وترى الحل وفق ذلك، ولا أحد منها يلمس مطالب الشعب، وهذا طبيعي. لكن، حين التوصل إلى حل لن ينجح سوى الحلّ الذي يزيح الأسد، وغير ذلك سوف يبقي باب الصراع مفتوحاً. وسيبقى عرضةً لتدخل الدول والقوى التي خسرت في الحل المفروض، وبالتالي، زيادة في الصراع. إذن، التمسك بالأسد هو تمسك باستمرار الصراع، هكذا بالضبط.
الحل فقط، والآن، في ترحيل الأسد.