لم يكن موقف طهران السلبي من مؤتمر المعارضة السورية في الرياض غريباً؛ فالذريعة الأساسية التي يتحدث عنها أصدقاء بشار الأسد في حمايته والتمسك به، تتمثل في عدم وجود إطار سياسي بديل، يقدم ضمانات وخطاباً مقبولاً سياسياً وديمقراطياً، وهو الأمر الذي عمل مؤتمر الرياض على تجسيره عبر المبادئ السياسية التي خرج بها ممثلو المعارضة السياسية والعسكرية على السواء.
نظرياً، ثمة أهداف متعددة تحققت في “مهمة الرياض”؛ فالمعارضة السورية، التي شهدت تمثيلاً نسبياً كبيراً للمعارضة المسلحة، خرجت بمبادئ مهمة للمرحلة المقبلة: وحدة سورية أرضاً وشعباً؛ سورية دولة ديمقراطية ومدنية؛ احتكار الدولة السلاح واستخدامه؛ رفض الإرهاب بأشكاله كافة، بما فيه إرهاب الدولة؛ رفض وجود المقاتلين الأجانب كافة والمطالبة بانسحابهم؛ التزام مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والشفافية والمساءلة وسيادة القانون؛ والحفاظ على مؤسسات الدولة وإعادة هيكلة الأمن والجيش.
ومن المتوقع أن يكون ممثلو المعارضة قد ناقشوا أمس موضوع المرحلة الانتقالية والبرنامج الزمني المقترح، ودور الأمم المتحدة، وغيرها من قضايا أساسية متعلقة بالبرنامج الذي ستطرحه المعارضة في الجولة المقبلة في نيويورك، والاتفاق على ممثلي المعارضة في المفاوضات المقبلة.
هي خطوة مهمة وإيجابية جداً، من الزاوية النظرية، بخاصة فيما يتعلق باستعداد الفصائل سياسياً وفكرياً للقبول بالدولة المدنية والديمقراطية، ما يدفع بالدعوى التي تتحدث عن مخاوف من دولة أصولية دينية بديلاً لنظام الأسد إلى وراء؛ هذا من جهة. كما يعطي، من جهة أخرى، مبرراً لمحور تركيا-السعودية-قطر، لاستبعاد عدد من هذه الفصائل من قائمة الإرهاب المنتظرة، مثل “أحرار الشام” و”جيش الإسلام” و”الجبهة الجنوبية” وغيرها من فصائل.
لكن من الناحية العملية، ثمّة حواجز كبيرة ومتعددة أمام هذا المسار السياسي الوليد. في مقدمة ذلك معضلتان رئيستان؛ الأولى، وهي المعروفة لدى الجميع، مصير الأسد؛ إذ حاول الأميركيون دفع المعارضة إلى “تعويم مصير الأسد”، بينما تشدد الأتراك والسعوديون، ومعهم الفصائل المسلحة المعارضة التي كانت قد أتت في الأصل بورقة أكثر تشدداً وصرامة من الورقة التي توافق عليها الجميع.
ومن المعروف أنّ المبادرة الروسية تحدثت عن مرحلة انتقالية (18 شهراً) يكون الأسد فيها موجوداً، بلا صلاحيات حقيقية، فيما لم تتناول مصيره، مع وجود نص موازٍ تتحدث عنه دول غربية يتمثل في ضمانات بعدم ترشح الأسد للانتخابات الرئاسية التي ستتلو تلك المدة الانتقالية، وهي الضمانات التي يبدو أنّ الروس تراجعوا عنها بعد الحوارات الأخيرة مع طهران، التي بدا قادتها في ذروة التصلب بشأن الإبقاء على الأسد، ليس حبّاً فيه بالطبع، ولكن لأنّ الحلول السياسية المطروحة لا تضمن مصالح طهران، كما هي الحال الآن مع بقاء الأسد ضعيفاً في قبضتهم.
أما المعضلة الثانية، فتتمثل في تصنيف الفصائل السورية، في ظل التباعد الشديد في رؤية الأطراف الدولية والإقليمية بهذا الشأن.
هذه وتلك من المعضلات ما تزال في إطار التفكير النظري. ولو نزلنا إلى الأرض، فسنصطدم بوجود “داعش” و”النصرة” والعامل الإيراني والمصالح المتضاربة. لكن لو وجدنا اتفاقاً بين الأطراف على الحل السياسي وصناعة الأمل وضوء في نهاية النفق، فمن الممكن بعد ذلك تذليل العقبات الميدانية!
هل، بالفعل، من الممكن أن تبدأ خطوات للحل السياسي؟! وهل من الممكن الحفاظ على وحدة الأراضي السورية؟! وهل ما يزال الحلم بعودة المهجّرين إلى منازلهم والتفكير في عملية إعادة البناء؟ أم أنّ ذلك أصبح حلماً مثل أحلام تاريخية أخرى تبخرت؟