مكّنت التسوية النيابية الحكومة من تخطي العاصفة. لكن ما حصل خلال الأيام الثلاثة الماضية، أظهر وبشكل جلي أن هامش المناورة وممارسة السلطة انحسر إلى حدوده الدنيا أمام الحكومة.
تحت قبة البرلمان، لم يعد هناك أنصار للحكومة على استعداد للدفاع عنها وحمايتها. وفي أوساط النخبة العامة من رجال الدولة، تقف الحكومة عارية من أي دعم. وسائل الإعلام، خاصة الإلكتروني، كانت كلها تقريبا في الخندق الآخر.
في حلقات السلطة التنفيذية الوسيطة، نأت الأغلبية بنفسها عن السجال. ومن خرج لوسائل الإعلام للتصريح، كان مضطرا في أغلب الحالات، بسبب إلحاح مسؤولين أعلى درجة.
أما في الشارع العام، فلا مجال للقول؛ الحكومة معزولة تماما، وبلا أي إسناد. الضجة التي ثارت كانت في جوهرها حالة احتجاج دفين على سياسات اقتصادية أهلكت الطبقة الوسطى، وليس رفضا لقرارات صدر مثلها الكثير من قبل.
كان لدى الحكومة، على ما يبدو، قناعة بأن غطاء الدعم الذي مكّنها من الاستمرار، يتيح لها اتخاذ القرارات وتمريرها من دون حاجة لإدارة نقاش عام حولها. لكن تبين أن الغطاء دون “فرش” لم يعد كافيا لمواصلة نفس النهج.
حكومة د. عبدالله النسور الثانية جرى تصميمها في الأساس لتكون حكومة غير شعبية أو شعبوية؛ تتخذ القرارات الصعبة، وتتحمل المسؤولية عنها. وقد فعلت ذلك بهمة عالية. وهي بخلاف سابقاتها، تعرف أن لها عمرا افتراضيا؛ ترحل بعد حل البرلمان بأسبوع، وفي أحسن الأحوال مع قدوم مجلس جديد. ولهذا لم تعد معنية بكسب الشعبية، على خلاف حكومات سابقة كانت تضع في الاعتبار عند اتخاذ كل قرار، الأثر الذي يمكن أن يتركه على عمرها؛ فما من حكومة غير حكومة النسور كانت تعرف موعد رحيلها، فتكرس جل وقتها لتأجيل هذا الاستحقاق.
الوضع بعد العاصفة ليس مثلما كان قبلها. الحكومة باقية لحين حسم الاستحقاق الانتخابي؛ هذا صحيح، لكن بتفويض محدود من الناحية السياسية. ولذلك، عليها أن تقف لمراجعة التجربة واستخلاص الدروس من العاصفة.
أول ما ينبغي إدراكه أن الأشهر، وفي أحسن الأحوال السنة المتبقية من عمرها، لا تتيح لها اتخاذ قرارات استراتيجية من دون توافق مسبق مع البرلمان، وتفاعل جدي مع الرأي العام. هي، باختصار، فترة انتقالية في البلاد، تستدعي صيغة توافقية في إدارة الشأن العام.
مشروع قانون الموازنة سيمر في مجلس النواب بعد أيام ساخنة، ستسمع خلالها الحكومة كلاما لم تعهده من قبل. ومشروع قانون الانتخاب سينفذ هو الآخر؛ ليس من أجل الحكومة، وإنما لقناعة الأغلبية النيابية بأنه قانون سيادي.
في المقابل، يصعب على الحكومة تمرير قانون معدل للضريبة مثلا، بالمواصفات المقترحة حاليا؛ أو اتخاذ قرار بإلغاء الدعم عن الخبز، حتى وإن كان مضمونه “توصيل الدعم إلى مستحقيه”.
من الناحية الفعلية، قدرة الحكومة على اتخاذ قرارات أو تمرير سياسات كتلك التي نجحت في تمريرها خلال السنوات الثلاث الماضية، تآكلت بشكل كبير.
هل نقول حكومة تصريف أعمال؟ بالتأكيد لا. لكنها حتما ليست حكومة أفعال. لقد فعلت كل ما تريد، وعليها أن تكتفي بما حققت.