نال رجال الأمن العام من قتلة الشهيدين النقيب جمال الدراوشة والعريف أسامة الجراروة، بزمن قياسي. فبعد أقل من 24 ساعة على الجريمة النكراء، كان المتهمون الثلاثة في قبضة الأمن ويدلون باعترافات تفصيلية.
في الساعات القليلة التي فصلت بين وقوع الجريمة وكشف مرتكبيها، سادت موجة تكهنات حول الجهة التي تقف وراء استهداف رجال الشرطة، وما إذا كان عملا إرهابيا مدبرا من جماعات متطرفة يخوض الأردن حربا مفتوحة ضدها. لم تطل فترة الترقب والقلق، وتبين أن مرتكبي الجريمة من أصحاب السوابق، كان شقيق أحدهم قد قُتل في مواجهة مع قوات الأمن قبل أكثر من شهر أثناء محاولة توقيفه، بعد قيامه بتدنيس مقابر إسلامية. يومها -وهذا ما لم يأت على ذكره بيان الأمن العام أمس- هاجم القتيل وأشقاؤه وأقرباؤه رجال الأمن بالأسلحة النارية والسيوف، وأصابوا خمسة من أفراد الشرطة بجروح بليغة.
كان من حق رجال الأمن أن يطبقوا قواعد الاشتباك في مثل هذه الحالات، وأن يجهزوا على جميع من هاجمهم بالأسلحة. لكن قتيلا واحدا فقط سقط برصاصة لم يعرف مصدرها، وأفلت الباقون، وعادوا بعد أربعين يوما لقتل المزيد من أفراد الأمن العام.
هذه المسرحية ينبغي أن لا تستمر؛ خمسة من رجال الأمن سقطوا شهداء هذا العام أثناء تأديتهم الواجب، على يد مجرمين سفلة. خمسة تركوا خلفهم أطفالا رضعا، وزوجات ثكلى، وأمهات بقلوب محطمة. وهناك العشرات من المصابين في مواجهات مع مطلوبين خطرين، وتجار مخدرات.
الواجب يقتضي أولا تكريم هؤلاء الشهداء بما يليق بتضحياتهم؛ “كنا ننام ليلنا الطويل عندما أقدم مجرم خسيس على قتل ضابط شرطة في جبل عمان”. تكريم رسمي وشعبي مهيب، ليدرك كل مواطن مكانة هؤلاء الشجعان في حياته، وليعرف القتلة أن العار سيلاحقهم في أقبية السجون.
بعد دقائق من إعلان الأمن العام القبض على القتلة، كانت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعج بآلاف التعليقات التي تطالب بإعدام القتلة على الفور، ليكونوا عبرة لمن يعتبر. هذا ليس مقبولا بالطبع؛ فمن حق المتهمين أن ينالوا محاكمة عادلة، لأننا دولة قانون وليس عصابة.
لكن من حق رجال الأمن والشهداء علينا المطالبة بقصاص عادل، يردع كل من تسول له نفسه التفكير بقتل رجل أمن أو الاعتداء عليه. ينبغي رفع كلفة الجريمة على مرتكبيها إلى أعلى درجة يجيزها القانون. مثلما تفرض هذه الحوداث على الجهات الرسمية توفير وسائل إضافية لحماية رجال الأمن في الميدان، وإحباط محاولات الاعتداء.
وما يثير في الجريمة الأخيرة بحق الشهيدين الدراوشة والجراروة، وما سبقها من تداعيات، هذا القدر من الإجرام الذي بلغه أفراد في مجتمعنا؛ يرفعون السيوف في وجه رجال الأمن، وبعد أن يصيبوا خمسة منهم يواصلون مسلسل القتل باستهداف دورية شرطة. ولو أفلتوا لارتكبوا المزيد من الجرائم.
الحالة تستحق الدراسة لفهم ظروفها ونشأتها، وطينة أفرادها، وواقعهم الاجتماعي. ذلك يساعدنا في المستقبل على اتخاذ إجراءات استباقية لمنع الاعتداءات قبل وقوعها، وكبح جماح المجرمين بقدر أقل من الخسائر في الأرواح.