عروبة الإخباري- أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إرنست، اليوم الأربعاء، أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يؤيد مساعي أميركا لإرسال “نحو 200” من أفراد قوات العمليات الخاصة للعراق، فيما أثارت هذه الخطوة جدلاً واسعاً بين القوى السياسية العراقية التي تنتظر هفوة من رئيس الوزراء حيدر العبادي للتخلص منه سياسياً.
ورداً على سؤال في شأن تصريحات العبادي بخصوص الإعلان يوم الثلاثاء والرافضة لإرسال قوات أميركية إضافية إلى العراق، قال إرنست إن تلك التصريحات تتعلق بالقوات القتالية البرية وليس قوات العمليات الخاصة.
وأضاف أن رئيس الوزراء العراقي عبّر عن مخاوف حول تصريحات لعضوي مجلس الشيوخ الجمهوريين جون ماكين ولينزي غراهام، بإرسال عشرة آلاف جندي أميركي للعراق.
واكد الكولونيل وارن ان واشنطن تتباحث “منذ أسابيع” في شأن هذا الانتشار الجديد مع العبادي.
وفي خصوص الانتشار الجديد الذي أعلن عنه وزير الدفاع الأميركي اشتون كارتر، الثلاثاء، قال المتحدث العسكري الأميركي العميد ستيف وارن، في مؤتمر عبر الفيديو من بغداد: “سيكون هناك على الأرجح مئة (عنصر) وربما أقل بقليل”، مشيراً الى أن سقف عدد القوات الأميركية المسموح بعملها في العراق والتي تعد 3550 حالياً، سيرفع بنحو مئة.
وأوضح المتحدث أن الأمر لا يتعلق بنشر قوة قتالية برية “كبيرة”، موضحاً أن قلة من أصل المئة عنصر ستكون فعلاً عناصر “قوات خاصة” تقوم بالهجمات بنفسها، فيما البقية من طاقم المساندة.
وقال انهم سيقومون بعمليات “محددة جداً ودقيقة” و”محدودة جداً” على “أهداف مخطط لها ومحددة بشكل جيد”.
وكان وزير الدفاع الاميركي أعلن عن انتشار وحدة القوات الخاصة هذه في العراق، والتي قال انها قادرة على التحرك في العراق وفي سوريا.
وقال كارتر ان عمليات القوات الخاصة الاميركية في العراق ستجرى بناء على “دعوة من الحكومة العراقية”.
وستكلف خصوصاً بشن هجمات على مسؤولي تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام”- “داعش”، على غرار ذلك الذي استهدف في أيار 2015 أبو سياف، أحد المسؤولين الارهابيين.
وهذه الهجمات يُفترض أن تسهم في ضعضعة التنظيم الارهابي وجمع المعلومات عنه، بحسب توضيحات مسؤولين أميركيين.
وبعد الاعلان عن الانتشار الأميركي الجديد أصدر العبادي بياناً شدد فيه على وجوب التنسيق مع الحكومة العراقية في كل عملية.
وأكد من دون ان يرفض المبادرة الأميركية أن لا حاجة لقوات أجنبية قتالية على الاراضي العراقية.
العبادي يحفر قبره بيده
في المقابل، قال التحالف الحاكم والفصائل المسلحة ذات النفوذ في العراق، إن رئيس الوزراء حيدر العبادي سيحفر قبره السياسي بيده ويقوض الحرب ضد تنظيم “داعش” إن هو سمح بنشر قوة عمليات خاصة أميركية جديدة في البلاد.
وأكد شركاء العبادي السياسيون، لوكالة “رويترز” أنهم لن يقبلوا أبداً دورًا موسعاً لقوات أميركية، وأصروا على أن رئيس الوزراء لن يجرؤ على التصرف بمفرده بعد أن سحب البرلمان تأييده لبرنامجه للإصلاح الداخلي الشهر الماضي، بسبب القلق لأنه لم يجر مشاورات واسعة بدرجة كافية قبل اتخاذ قرارات مهمة.
وقال النائب عن “منظمة بدر” أحد القادة المحليين لقوات الحشد الشعبي محمد ناجي: “لو قام العبادي باتخاذ قرار منفرد بالموافقة على نشر قوات أميركية خاصة فسنستجوبه في البرلمان. هو يعلم جيداً أن الاستجواب قد يؤدي الى تصويت لحجب الثقة”.
واعتبر النائب عن “منظمة بدر” أن نشر قوات أميركية في العراق إذا حدث فسيكون “عامل جذب” لمزيد من التدخل من جانب قوى أجنبية.
واضاف: سنكون ساحة للقوى الأخرى لتقوم بتصفية حساباتها الخاصة”.
وأضاف ناجي أن ما يخشاه هو أن “القوات الخاصة الأميركية حالما يتم نشرها قد تحول اهتمامها في نهاية المطاف إلى ملاحقة قادة الحشد الشعبي وسياسيين شيعة كبار بعضهم مدرجون على قائمة الإرهاب الأميركية”.
وقال حاكم الزاملي (وهو سياسي بارز من التيار الصدري): “لا يجوز للحكومة أن تعطي تفويضاً بنشر قوات برية في العراق حتى لو كانت قوات استكشافية أو لجمع المعلومات الاستخبارية”.
وأيد زعيم “حزب الفضيلة” في “التحالف الشيعي”، عمار طعمة، ذلك الموقف قائلاً إن البرلمان وحده لا العبادي لديه سلطة الموافقة على وجود قوات أجنبية مقاتلة.
وقال نائب آخر من “التحالف الشيعي”، انه “بالنسبة للعبادي فان إعطاء الضوء الأخضر لنشر قوات أميركية في العراق قد لا يكون مجرد إطلاقة نارية في القدم. سيكون إطلاق النار في الرأس”.
والرفض لأي توسيع للدور الأميركي في البلاد مهما كان محدوداً أو تدريجياً ينبع في جانب منه إلى الغياب المطلق للثقة من جانب العراقيين وزعمائهم في نوايا واشنطن.
كان العبادي واجه تحدياً كبيراً، في تشرين الثاني الماضي، من داخل تحالفه الحاكم، حينما وافق النواب بالإجماع على منع حكومته من إقرار إصلاحات مهمة من دون موافقة البرلمان.
وينظر إلى هذه الخطوة على أنها محاولة لكبح العبادي وسط مشاعر السخط من أسلوب قيادته وبطء وتيرة الإصلاحات التي طالب بها المحتجون. وأثارت الخطوة تكهنات عن محاولة للإطاحة به، لكن هذه المخاوف انحسرت في الآونة الأخيرة.
مهمة مستحيلة
يتعرض رئيس الوزراء العراقي لضغوط أميركية متزايدة لكبح جماح الفصائل المسلحة المدعومة من إيران، وهو ما يغضب الفصائل التي تتمتع بتأييد شعبي في العراق.
وقال نواب برلمانيون إن العبادي لن يخاطر بخوض صدام مع الفصائل المسلحة، ولكن سيكون من الصعب عليه مقاومة الضغوط من واشنطن لإعطاء قوات أميركية دوراً قتالياً أوسع. والولايات المتحدة مانح رئيسي للمساعدات للجيش العراقي.
وقال المحلل السياسي البغدادي أحمد يونس “انها قد تكون مهمة مستحيلة بالنسبة للعبادي لإيجاد حل وسط.. عليه ان يحرص على عدم اثارة غضب ائتلافه و مجاميع الحشد الشعبي القوية وفي نفس الوقت الاستجابة للأميركيين. لو وافق العبادي على نشر قوات أميركية خاصة، فإنه بذلك يقدم على طبق من ذهب الفرصة لخصومه لتنحيته”.
ورفض قادة الفصائل المسلحة بالفعل نشر أي قوات أميركية وقالوا إنهم لن يترددوا في تحويل اهتمامهم من قتال “داعش” إلى قتال الأميركيين.
وقال المتحدث باسم “كتائب حزب الله” جعفر الحسيني، إن إرسال قوات أميركية لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الأمنية في العراق.
وأضاف: “أي طرف ومن ضمنهم رئيس الوزراء العبادي يسمح بوجود قوات أميركية في العراق يجب عليه تحمل مسؤولية إطلاق شرارة حرب أهلية شاملة”.
وقد تكون تحذيرات كهذه سابقة لأوانها، لكن زيادة الأنشطة العسكرية المباشرة للولايات المتحدة ولو على نطاق ضيق قد تؤدي إلى زعزعة الاستقرار وتقويض فرص احتواء الصراع الطائفي.
وكانت آخر قوات أميركية انسحبت من العراق في العام 2011 ، لكن عاد البعض كمستشارين في العام 2014 بعد أن عرض تقدم تنظيم “داعش” بغداد للخطر ويبلغ عددهم الآن نحو 3500.
الرئيس يرفض تغيير العبادي
في غضون ذلك، أعلن الرئيس العراقي فؤاد معصوم، الأربعاء في باريس، أن تغيير رئيس الوزراء العراقي الذي يلقى معارضة حتى في صفوف حزبه، غير ممكن في الوقت الذي يحارب فيه العراق تنظيم “داعش” الذي يحتل أجزاء واسعة من البلاد.
وقال معصوم للصحافيين في إطار زيارته الى فرنسا للقاء الرئيس فرنسوا هولاند: “يستحيل في الظروف الراهنة إبدال العبادي. هذا من مصلحة العراق”.
وأضاف: “لأنه في حال تغيير العبادي سنحتاج لخمسة الى ستة اشهر للاتفاق على الشخص الذي سيحل مكانه. وهذه الحكومة ستكون فقط حكومة تصريف الاعمال الجارية ولن تتمكن من توقيع اي اتفاق كما انها لن تستطيع اتخاذ اي قرار، فيما نحن في مواجهة مع داعش”.
وتابع “وما هو البديل؟ ليس من السهل الاتفاق على شخصية اخرى”.
ويواجه العبادي اعتراضات حتى داخل حزبه، “حزب الدعوة”، منذ ان تسلم مهامه في آب 2014 فيما استولى تنظيم “داعش” على اجزاء كاملة من اراضيه ضمنها ثاني مدن البلاد الموصل.
ويبدو موقعه مؤخرا اكثر هشاشة. ويطالب سلفه نوري المالكي وشخصيات سياسية اخرى من كتلته البرلمانية بالحد من التعاون الوثيق مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد تنظيم “داعش”.
ويأخذ بعض السياسيين أيضاً على العبادي أنه ليس حازماً بشكل كاف لإنجاز جملة إصلاحات بهدف مكافحة الفساد والهدر.
وقال معصوم في هذا الخصوص إن خطة الاصلاحات “حصلت على موافقة البرلمان بالاجماع. ولا احد يعارضها”.
ويتولى معصوم وهو شخصية كردية منصب الرئيس منذ صيف 2014 وهو منصب فخري.
(أ ف ب، رويترز)