عروبة الإخباري- «تدهور الوضع الصحي للرئيس» و»نقل الرئيس للعلاج في الخارج» و»أين الرئيس» هي عينة من إشاعات تتداولها شبكات التواصل الاجتماعي، وحتى الشارع، كلما غاب الرئيس الجزائري، عبدالعزيز بوتفليقة، عن الأنظار خلال الأشهر الأخيرة، ليأتي الرد الرسمي بأن «حالة الرئيس جيدة وهو يمارس مهامه بصفة عادية» بشكل يعكس وضعا سياسيا غامضا تعيشه البلاد، وسط تساؤلات وسيناريوهات يضعها مراقبون حول سبل الخروج منه.
عاشت الجزائر، منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، من جديد إشاعات حول الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، بعد غيابه عن الواجهة لأيام استدعت بث التلفزيون الرسمي صورا له وهو يستبقل رئيس الوزراء المالطي موسكات، يوم 19 من الشهر نفسه، ليصرح بعدها رئيس الوزراء عبدالمالك سلال أنه «على اتصال يومي معه (بوتفليقة) وهو لم يغادر البلاد، كما أن حالته الصحية مستقرة» وهو «يتابع شؤون البلاد و يعطي تعليماته يوميا».
وتتردد الإشاعات في كل مرة يغيب فيها الرئيس (78 سنة) عن الواجهة، منذ تعرضه لجلطة دماغية في نيسان/أبريل 2013، أفقدته القدرة على الحركة، رغم أنه استأنف نشاطه الرسمي من خلال لقاءات مع كبار مسؤولي الدولة والضيوف الأجانب، كما أعيد انتخابه لولاية رابعة من خمس سنوات، في انتخابات رئاسية جرت في نيسان/أبريل 2014.
وطيلة هذه المدة تعيش البلاد حالة استقطاب حادة بين المعارضة، التي تطالب بتطبيق مادة دستورية (المادة 88) تتحدث عن عزل الرئيس بسبب عجزه الصحي وتنظيم انتخابات مبكرة، بينما تقول الموالاة، من جانبها، إن بوتفليقة يمارس مهامه بصفة عادية، وسيكمل ولايته الرئاسية حتى 2019، كما تعتبره «صمام الأمان في البلاد، وسط وضع إقليمي ودولي متقلب». ويعتقد مراقبون ووسائل إعلام محلية أن هناك عدة سيناريوهات وضعها النظام الحاكم للتعامل مع المرحلة المقبلة، بما فيها الموت المفاجئ للرئيس.
ويقول حسان زهار، رئيس تحرير صحيفة «الحياة (خاصة)» «في اعتقادي أن المرحلة المقبلة غامضة جدا في الجزائر، نظرا لطبيعة النظام السياسي الجزائري المعقدة، وكل الاحتمالات ممكنة وكلها مرتبطة بصحة الرئيس».
وتابع «غير أنني أعتقد أن عملية البحث عن خليفة للرئيس في ظل أوضاعه الصحية قطعت أشواطا ومراحل، على اعتبار أن مخابر صناعة الرؤساء، التي كانت ضمن دائرة المخابرات والجيش بالأساس، قد مالت مؤخرا بشكل كبير للدوائر المحيطة بالرئاسة».
وجاء في كتاب صدر مطلع العام الجاري «باريس – الجزائر.. علاقة حميمة»، للصحافيين الفرنسيين كريستوف دوبوا وماري كريستين تابت، أن هناك «ثلاثة أقطاب تسيِر النظام الحاكم في البلاد؛ هي الرئاسة والجيش والمخابرات، في إطار توازنات، غير أن العلاقة بينها تتأرجح بين التكامل والصراع».
غير أن رابج لونيسي، وهو أستاذ التاريخ في جامعة وهران غرب الجزائر، يؤكد «أن دور الجيش في صناعة الرؤساء، والذي كان محوريا منذ استقلال البلاد العام 1962 لم يعد قائما».
وتابع «بعد مجيء بوتفليقة للحكم العام 1999 وهو العارف بدواليب السلطة جيدا بدأ بالتخلص التدريجي من هذا النفوذ (الجيش) مستغلا عاملين أساسيين، وهما رغبة الجيش ذاته في الابتعاد عن التدخل في السياسة، بعد ما كادت أزمة التسعينيات أن تضربه في العمق (مواجهات مع الإسلاميين) ، ومن جهة أخرى بداية صعود قيادات عسكرية شابة جديدة لا علاقة لها بصراعات الثورة والتحرير ضد فرنسا ولا السلطة ولا تهتم حتى بالسياسة، وهي تهتم فقط بالعمل العسكري الاحترافي»، مشيرا إلى «دخول عناصر أخرى مؤثرة في صناعة القرار كرجال المال».
ومنذ عام 2013 تتواصل في الجزائر موجة تغييرات طالت هرم المؤسسة العسكرية، كان أهمها قرار أصدره بوتفليقة، في أيلول/سبتمبرالماضي، بإقالة مدير المخابرات، الفريق محمد مدين، بعد ربع قرن قضاها في المنصب، وتعيين مستشاره للشؤون الأمنية، عثمان طرطاق خلفا له.
ووفق وسائل إعلام ومراقبين في الجزائر يُعد مدين أكثر ضباط المؤسسة العسكرية نفوذا في البلاد، خلال العقدين الماضيين، حيث قاد المخابرات منذ عام 1990، وشهدت فترته قيادة 5 رؤساء للبلاد، و10 رؤساء حكومات، وعشرات الوزراء، فيما يصفه محللون سياسيون بـ»صانع الرؤساء» لدوره الحاسم في وصولهم للحكم.
ووفق لونيسي فإن «محيط الرئيس من سياسيين ومجموعة من رجال المال المرتبطين مع شبكة عالمية للرأسمالية وقوى كبرى تضمن مصالحها الاقتصادية في الجزائر، يتحركون الآن لتعيين خليفة للرئيس من بينهم لضمان مصالحهم ونفوذهم، مستغلين الابتعاد النسبي للجيش عن التأثير في صناعة القرار، خاصة بعد تنحية الكثير من قياداته. وتقديمه (بوتفليقة) لولاية رابعة العام الماضي كان لتحضير خليفته بهدوء».
وأوضح أن «المشكلة في الجزائر، خاصة مع الرئيس بوتفليقة، هو تحطيمه لكل الشخصيات التي يمكن أن تبرز لخلافته، إضافة إلى إضعاف المؤسسات وشخصنة الدولة في الرئيس وحده».
وتنقل وسائل إعلام محلية باستمرار تصريحات لسياسيين ورؤساء أحزاب مفادها «تزايد نفوذ محيط بوتفليقة في صناعة القرار، وخاصة علي حداد رئيس منتدى رؤساء المؤسسات (أكبر تجمع لرجال الأعمال)»، وهو طرح تردده بكثرة زعيمة حزب العمال اليسارية، لوزير حنون، ورئيس حزب طلائع الحريات (وسط)، علي بن فليس.
ويقول المحلل حسان زهار بشأن إمكانية إكمال بوتفليقة لولايته الحالية «أعتقد أن إمكانية الوصول إلى العام 2019 بالوضع الحالي صعبة للغاية، وأن احتمال اللجوء إلى انتخابات رئاسية مبكرة، قبل هذا التاريخ، تفرض نفسها بعد استكمال الاتفاق على خليفة الرئيس».
وعن أقرب الشخصيات لخلافة بوتفليقة يضيف: «هناك حديث عن مولود حمروش (يسمى مهندس الانفتاح السياسي لعام 1989، وهو مستقل ورئيس حكومة بين 1989 و1991) والأخضر الإبراهيمي (المبعوث الأممي السابق إلى سوريا)، إلا أن ذلك لا يلغي بقية الأسماء الأخرى، التي تقف على قائمة المنافسة بين رجال السلطة من المولاة، مثل رئيس الوزراء عبدالمالك سلال، والأمين العام لحزب جبهة التحرير الحاكم، عمار سعداني، وأحمد أويحيى مدير ديوان بوتفليقة، وحتى قائد أركان الجيش الفريق قايد صالح».
وتابع: «لكن السلطة لن تغامر برجال لا يحظون بالدعم الكافي لأن موازين القوى المحلية والدولية تضغط بشكل كبير».
وبحسب حسان زهار فإن «السلطة وضعت أيضا سيناريو الوفاة المفاجئة للرئيس بسبب المرض، من خلال الإعلان عن تعديل دستوري وشيك، في ظل الحديث عن استحداث منصب نائب الرئيس لسد أي فراغ سياسي».
وكان بوتفليقة قد أعلن، في رسالة للجزائريين، بمناسبة الذكرى الـ61 لاندلاع «ثورة التحرير» ضد الاستعمار الفرنسي، في 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1954: «سيتم الإعلان قريبا عن مشروع مراجعة الدستور»، مشيرا إلى أن هذا المشروع «يتطلع إلى إرساء دعائم ديمقراطية هادئة في جميع المجالات» من دون تحديد تاريخ لذلك.(الأناضول)