في كلمته خلال افتتاح معرض بيروت العربي الدولي للكتاب، شدد رئيس الحكومة اللبنانية تمّام سلام، على «العناية الخاصة بالكتب الدينية وأهمية التدقيق في مضامينها، والتفريق بين الغث والسمين في ما يُكتب ويُنشر في شؤون الدين»، ونبه إلى أن عدم الالتفات إلى معايير النشر «من شأنه أن يفتح الباب للترويج لمفاهيم خاطئة للدين، وللتأثير السلبي في عقول الشباب ما يؤدي إلى انحرافهم عن الطريق السوي ورميهم في أحضان التنظيمات الإرهابية المتطرفة».
كلمة رئيس وزراء لبنان تشير بوضوح إلى أن هناك قناعة بدأت تترسخ لدى النخب السياسية والثقافية في العالم العربي، مفادها أن التطرف والإرهاب وثيقا الصلة بالدين الإسلامي وكتبه. وهذه القناعة التي أصبحت بمنزلة اليقين عند بعض النخب، تفسر حصر نقاشنا مسألة الإرهاب في تأثير الدين والتدين في الأشخاص المنخرطين في التنظيمات المتطرفة. بات الدين ملازماً للتطرف، المفضي إلى العنف والإرهاب في معظم حواراتنا، واستدعاء أحدهما يقتضي بالضرورة حضور الآخر، على رغم أن هذه القناعة ليس لها ما يسندها في تاريخ الصراع الفكري الذي مر على المسلمين. فتاريخ هذا الصراع، على رغم حدته، وعنفه اللفظي، ودوره في صنع فرقٍ ومحازبين، بقي في بطون الكتب، لم يكن له تأثير في سلوك عامة المسلمين ومواقفهم، مثلما تسعى هذه القناعة المفتعلة أن تفعل.
التنظيمات الإرهابية تستخدم الدين بصوَر متعددة، وأغراض مختلفة، تماماً مثلما تستخدم المخدرات، والنساء، والفقر والجهل، في إشباع غرائز هؤلاء الشباب. لكننا في نقاشنا لقضية التطرف والإرهاب، نتجاهل بقية الوسائل، فضلاً عن أننا لا ننظر إلى الدين وكتبه كوسيلة مثل بقية الوسائل، بل نجعله الأداة الرئيسة للوصول إلى التطرف والعنف. وهذا التعسف في تفسير الظاهرة، وربط العنف بالنص الديني، جعل بعضنا يتمادى، مطالباً بنسف النصوص الدينية، وإلغائها، والكفر بها، للقضاء على ظاهرة التطرف والإرهاب، فضلاً عن أن هذا المنهج في درس الظاهرة الخطيرة، شكل، بمرور الوقت، دعماً كبيراً للأجهزة والأنظمة والدوائر التي تسعى إلى إرساء قناعة دولية بمسؤولية الإسلام ونصوصه عن العنف الذي يجتاح العالم.
لا شك في أن قناعة بعض النخب العربية بأن للدين الإسلامي دوراً محورياً في التطرف والإرهاب، منهج خطير، بحاجة إلى معاودة نظر، وفتح حوار حول هذا الاندفاع في اتهام الإسلام، وكتب الدين وادعاء مسؤولية الدين عن هذه الجرائم.
الأكيد أن إصرار بعضهم على استعذاب جلد الذات، سيزيد التوتر في المجتمعات العربية، ويمنح الآخرين فرصة لاستباحة دولنا، فضلاً عن تشويه ديننا وتراثنا وحضارتنا.