لم أكن أتصور أن قرار الحكومة بإجراء تعداد للسكان والمساكن، سيحظى بكل هذا الجدل، وما صاحبه من تشويش بدا متعمدا من البعض. فهذا ليس أول تعداد سكاني في تاريخ الأردن، ولن يكون الأخير. ومع نهاية كل عشرية، يتوجب على الحكومة إجراء التعداد لرصد المتغيرات الديموغرافية في المجتمع، وحالة السكان الاقتصادية والاجتماعية.
وحتى أسابيع قليلة، كانت الترتيبات للتعداد تتم بشكل طبيعي، قبل أن يعكر صفوها ورود اسم “إسرائيل” في الاستبانة، فحركت نقابة المعلمين حملة شعبية لمقاطعة التعداد، قبل أن تستجيب الحكومة بمعالجة الموقف، واستبدال إسرائيل بأسماء المدن الفلسطينية.
لكن ذلك لم يقطع سيل الأسئلة المشككة بأهداف التعداد ونوايا الحكومة من ورائه. وأسهم بعض التصريحات الرسمية الفائضة على الحاجة في إثارة الشبهات، والانجرار لمناقشة قضايا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالتعداد.
على العموم، سنترك اليوم كل هذا الجدل خلف ظهورنا. وما إن تحل ساعات المساء، سيكون آلاف الشباب والشابات قد زاروا بيوت الأردنيين، وجمعوا المعلومات المطلوبة للتعداد.
الحكومة أعلنت اليوم الاثنين عطلة رسمية، ليتسنى للباحثين إحصاء جميع السكان، بأكبر قدر ممكن من الدقة. والجدير بالذكر هنا أن الحكومات الأردنية في عقود سابقة كانت تفرض منعا للتجول في يوم التعداد، لضمان بقاء جميع المواطنين في بيوتهم. وتظهر الوثائق التاريخية أن الأغلبية الساحقة من المواطنين كانوا ملتزمين بتنفيذ القرار.
بالطبع، مثل هذا الإجراء غير ممكن في زمننا هذا، ولا تستطيع أي حكومة إلزام الناس بالبقاء في منازلهم ولو لساعة واحدة.
لكن المرجح أن غالبية المواطنين سيظهرون تعاونا كاملا مع الباحثين. غير أن الإشكالات متوقعة مع الوافدين والعمال الأجانب المقيمين بطريقة غير شرعية في البلاد؛ فبالرغم من التطمينات الرسمية، ما يزال الكثيرون منهم يخشون من التعريف بأنفسهم تحسبا من ترحيلهم.
التعداد مثل استطلاعات الرأي؛ يحتمل هامشا من الخطأ، ومن غير المتوقع أبدا أن يتمكن الباحثون من إحصاء جميع السكان، رغم التحضيرات المبكرة واعتماد التقنيات الحديثة في جمع المعلومات، والتي ستمنح صناع القرار والمهتمين الحصول على نتائج التعداد في وقت مبكر.
آخر تعداد للسكان جرى قبل عشر سنوات (2005)، وتخللته أخطاء كثيرة، على ما أفاد مسؤولون في حينه. وهو ما دفع بحكومات إلى عدم الاعتماد عليه عند وضع السياسات والبرامج. وفي الفترة بين التعدادين، أجرت إحدى الحكومات تعدادا للمواشي، واضطرت لإعادته مرتين بسبب إخفاق القائمين عليه في إنجازه بالشكل المطلوب. وأذكر في هذا الصدد أرقاما عجيبة كشفها التعداد “المضروب” لأعداد المواشي في الأردن، تفوق ما لدى أستراليا. وسرعان ما تراجعت عنها السلطات وأعادت التعداد من جديد.
واجبنا جميعا أن نسهم في إنجاح التعداد اليوم، بأن نفتح بيوتنا للباحثين، ونقدم لهم ما يحتاجونه من معلومات. وواجب الحكومات والدارسين في مختلف الحقول أن يقرأوا نتائج التعداد بعد ذلك بشكل عميق، ويسخّروا ما فيها لمعالجة المشاكل الاقتصادية والتنموية التي تؤرق الأردنيين.