الدول الخليجية التي ترصد عشرات مليارات الدولارات سنويا لمشاريع البنية التحتية، تغرق عواصمها بمياه الأمطار مثل عمان وأكثر وهي التي لا تزيد موازنتها السنوية عن نصف مليار دينار.
على مدار يومين، تحولت شوارع مدن كبرى كالرياض والدوحة إلى بحيرات، وتعطلت الدراسة في المدارس، وانشلت الحياة العامة تماما بسبب الأمطار الغزيرة. في مطار حمد الدولي الذي كلف مئات ملايين الدولارات، نزلت المياه كـ”الدش” على رؤوس المسافرين، على حد وصف صحفي قطري. وفي الرياض، أغلقت المياه أنفاقا عملاقة، وداهمت بيوتا ومباني مؤسسات رسمية. وقبلها بأيام، كانت مدينة جدة تعيش نفس الظروف للسنة الثالثة على التوالي.
قد يعترض البعض على المقارنة بين عمان ومدن خليجية، بسبب الفروق المناخية. لكن ذلك ليس كافيا لتبرير ما حل بتلك المدن. فمنذ سنوات، بدأت حكومات الدول الخليجية تدرك التغيرات المناخية الحاصلة، وتستعد لها بمشاريع بنية تحتية ضخمة لمواجهة الاحتمالات كافة. وما صدم المسؤولين والمواطنين هناك، سوء التنفيذ والتلاعب بالمواصفات، وهو ما دفع برئيس الوزراء القطري إلى فتح تحقيق مع شركات المقاولات التي نفذت وأشرفت على تلك المشاريع. وكذا الحال في السعودية.
ربما يكون من السهل على الحكومات الغنية في دول الخليج أن تعالج مثل هذه المشاكل بضخ مليارات إضافية في مشاريع البنية التحتية، لمعالجة أنظمة تصريف المياه وتوسيع القنوات وترميم الشوارع والأنفاق. لكن أمانة عمان لا تملك عُشر هذه الموارد، وعليها أن تواجه التحدي بما تيسر من موازنات شحيحة لا تكاد تكفي لتغطية رواتب جيش من الموظفين، والإنفاق على مشاريع حيوية غير قابلة للتأجيل.
وكان لافتا بحق تعليقات مواطني العواصم الخليجية على ما حدث في مدنهم؛ لقد كانت تعليقات لاذعة جدا وساخطة، مثل تلك التي عبر عنها عمّانيون قبل أسابيع. وقد خرجت صحف خليجية محافظة بطبعها عن طورها، ونشرت تقارير تحمل سيلا من الانتقادات والاتهامات بالتقصير والفساد وغياب الرقابة، مع أن المواطن الخليجي لا يحمل مثل أقرانه في دول العالم صفة دافع الضرائب؛ فالأموال الطائلة التي تنفق على المشاريع ليست من جيوب المواطنين كما الحال في الأردن مثلا.
لكن حتى في الدول الغنية، لم يعد ممكنا إقناع المواطنين بالتنازل عن حقوقهم في مساءلة الحكومات، خاصة عندما يتعلق الأمر بمصالح حياتية مباشرة، وبخدمات أساسية، فما بالك في دول محدودة الموارد، حيث تبدو المساءلة والرقابة شرطان ضروريان لضمان حياة كريمة وتوزيع عادل لتلك الموارد.
ورغم ملاحظاتنا وانتقاداتنا المستمرة لمستوى الخدمات والتنظيم في عمان، فإنها وبالنظر لما هو متوفر من موارد، تنافس على موقع متقدم بين عواصم المنطقة، لا بل إن من يزورها لأول مرة من الأشقاء العرب يصاب بالدهشة من مستوى تطورها وخدماتها.
ومن غير الإنصاف مقارنة عمان بالرياض التي خصصت مليارات لمشاريع البنية التحتية والنقل السككي فقط هذا العام؛ أو الدوحة التي سينفق عليها أكثر من 90 مليار دولار خلال السنوات السبع المقبلة استعدادا لاستضافة بطولة كأس العالم. في المقارنة ظلم حتى بعد أن غرقت الرياض والدوحة، فلسنا في “الهوا سوا” أبدا.