فيديو قصير تعرضه إحدى محطات التلفزة الأجنبية، يفضح أبشع ما فينا!
مقاطع التسجيل المصور هي لفتيات صغيرات لا يتجاوز عمر الواحدة منهن أربعة عشر “ربيعاً”، كما يفترض أن نقول، لكنهن يجلسن بعباءاتهن السوداء أمام امرأة متقدمة في السن، تخيرهن الزواج برجل مسن بلغ السبعين من عمره! حتى يقع الاختيار على إحداهن؛ تغطي تفاصيل جسدها الضئيل عباءة فضفاضة، إلا أن صوتها يكشف ويفضح كم هي صغيرة السن.
الحادثة تقع في مخيم الزعتري، حيث يوثق الفيديو تجارة الجنس التي تعاني منها الصغيرات السوريات اللواتي ارتضين بالممارسة الشاذة، لإنقاذ العائلة من العوز والفقر، كما قيل لهن.
المشهد الثاني رسمته الزميلة حنان الكسواني في التحقيق الصحفي الذي نشر في “الغد”، يوم الأربعاء الماضي، حول سماسرة الجنس؛ مقدما أكثر من صورة، من خلال قصص عدة لفتيات صغيرات خضعن للممارسات الشاذة السابقة ذاتها، بل وتزويج إحدى الطفلات أكثر من 21 مرة خلال فترة محدودة.
فالقصة الرئيسة في تحقيق “الغد” بطلتها طفلة بدأت المعاناة بتواطؤ من الوالدة وهي في سن 12 عاما، ولتتزوج 21 مرة حتى بلوغها عمر 16 سنة الآن!
الوالدة، التي يُفترض أنها “أم”، جزء من شبكة الإجرام؛ فهي مَن تاجرت بلحم صغيرتها مقابل المال، بذريعة أنها تضحي بابنتها حتى تعيش الأسرة. وفي هذا تسطيح وتبرير للجريمة لا يقبل بهما عاقل. فيما الصغيرة التي نضجت قبل أوانها تعلم أمرا واحدا؛ أنها تضحي بنفسها لإنقاذ أهلها، وهي ضحية الحرب الدائرة في بلدها.
مختلفة الاعتداءات والانتهاكات التي عانت منها نساء وصبايا سورية خلال السنوات الماضية. ورغم محاولات بعض منظمات المجتمع لفت الانتباه إلى مثل هذه الجرائم ومحاولة منعها، إلا أنه يبقى لسماسرة انتهاك الإنسانية والطفولة طرقهم في الالتفاف والمواربة للإتيان بمثل هذه الأفعال المشينة.
الأدهى أيضا أن مثل هذه الجريمة تتكرر ليس فقط بغطاء وثائق مزورة، وإنما كذلك بمشروعية من جهات معنية، تعطي الموافقات لتزويج الصغيرات. وهي بذلك ترتكب بدورها جرائم ضد الطفولة والإنسانية، ويحميها الصمت الذي يبدو السياسة السائدة في التعامل مع هذا النوع من الجرائم، هذا إن كان يعتبر من قبل البعض جريمة أصلا!
الكل مجرم؛ “الخطّابة” التي ترتب الصفقات، ومن يعقد القران، إن بأوراق رسمية أو عبر ما يصطلح على تسميته بالزواج العرفي، وحتى المجتمع الذي لا يثور وينتفض لأفعال أقل بشاعة بكثير من “سوق تزويج الصغيرات”. بل إن أخطر ما في القصة هو السكوت المجتمعي عليها. إذ مع كل هذه القصص، لا نجد سوى قضية واحدة تحول للقضاء، فيما عصابات التزويج تسرح وتمرح وتجني المال الكثير ثمنا لأجساد صغيرات!
لم يُترك السوريون لفقرهم وتشردهم، بل وجد فيهم البعض سوقا للاتجار بالبراءة والطفولة، والكسب السريع. ودعم ذلك صعوبة كشف مثل هذه الشبكات، أو غض الطرف عنها والتجاهل الرسمي لمثل هذه الملفات.
هذا بعض مما يحدث بيننا، فيما الصمت سيد الموقف؛ إذ بالكاد نسمع عن مساع لرفع الظلم عن السوريات، مع صمت المجتمع وتواطئه، وتفضيل الجهات المعنية “الطبطبة” على الملف درءا لصداع متوقع.
تحقيق الزميلة الكسواني، بكل ما يحمل من تفاصيل مرعبة ومخزية، لم يلق حجم الاهتمام المطلوب؛ فلم تعج صفحات مواقع التواصل الاجتماعي برفض الممارسات والجرائم التي كشفها، بعكس قضايا أخرى تافهة تجد بشأنها تنظيرا وتسجيل مواقف فائضين عن الحاجة.
ما يجري لصغيرات سورية يفضح أبشع ما في مجتمعنا. وهو بذلك لا يخدش الحياء العام فحسب، وإنما يقتله!