تزداد سخونة الأوضاع في المنطقة العربية، وجوارها يوما بعد يوم، ولعل قيام الطائرات التركية بإسقاط القاذفة الروسية يوم الثلاثاء الماضي يشير إلى المدى الذي وصلت إليه الأوضاع الملتهبة، التي يبدو أنها تتوسع لتشمل دولا أخرى.
ما بين تحذير الجيش التركي للطائرتين الروسيتين اللتين اخترقتا أجواءه وما بين إطلاق الصاروخ الأول 5 دقائق بالتمام والكمال، وما بين إطلاق الصاروخ التركي وإسقاط إحدى الطائرتين 17 ثانية فقط، هو الزمن الذي استغرقه الصاروخ التركي لإحالة الطائرة العسكرية الروسية إلى كتلة من اللهب، وهو زمن قصير جدا في مقاييس الزمن العادي، لكنه زمن أجبر العالم على الوقوف على أطراف أصابعه خشية انزلاق روسيا وتركيا إلى حرب مفتوحة، وهي الخشية التي دفعت العالم إلى تسخين الخطوط الهاتفية والاتصالات من أجل دفع الطرفين إلى ضبط النفس وعدم الانزلاق إلى مواجهة ربما تورط العالم في حرب جديدة.
هذا “الاحتكاك الخشن” بين سلاح الجو التركي والطائرتين الروسيتين، كان عبارة عن رسائل متبادلة بين موسكو وأنقرة بالنار والبارود، فروسيا التي اخترقت طائراتها الأجواء التركية أكثر من مرة تجاهلت التحذيرات التركية، وتعاملت معها وكأنها “حبر على ورق”.
في المقابل، فإن حكومة الرئيس أردوغان كانت تعني ما تقول، وأصدرت تعليمات للجيش التركي بإسقاط أي طائرة تتجاوز الحدود، وتطبيق قواعد الاشتباك بلا هوادة، وبالفعل قام سلاح الجو التركي بإصدار 10 تحذيرات للطائرتين الروسيتين، ومن ثم إسقاط إحداهما بعد أن هربت الثانية، لإثبات أن الأجواء التركية محروسة جيدا، وأن اختراقها غير مسموح.
التحدي الروسي والتصميم التركي على الدفاع عن النفس وضع البلدين وجها لوجه، وسخن حالة التحدي بينهما، على الرغم من نبرات التهدئة بينهما، ورفض الطرفين الدعوة للحرب، إلا أن الإجراءات على الأرض تخالف تصريحات التهدئة المعلنة، فروسيا نشرت منظومة الصواريخ “اس – 400” والتي تعتبر الأحدث في ترسانتها العسكرية، واستقدمت الطراد موسكو المجهز بأسلحة إستراتيجية قبالة السواحل السورية، وأعلنت إرسال 12 مقاتلة عسكرية روسية إضافية إلى سوريا، وكثفت هجماتها على جبل التركمان حيث يسكن سوريون من أصول تركية.
في المقابل، ردت أنقرة بإرسال وحدات من الجيش إلى الحدود السورية، وأعلنت أنها ستقيم منطقة آمنة في الأراضي السورية تمتد من طرابلس وحتى الساحل السوري، وهذا يعني أن أي اختراق لهذا المنطقة الآمنة سيؤدي إلى مواجهة عسكرية.
في التفاصيل الجانبية المتعلقة بهذه المواجهة، فإن طهران أعلنت انحيازها إلى روسيا، وهاجم الرئيس الإيراني حسن روحاني تركيا، واتهمهما بإسقاط الطائرة في الأجواء السورية، وقال “إذا افترضنا أن هذه الطائرة اقتربت من حدود ترکيا، فإن الصاروخ والطائرة ليسا لعبة أطفال کي يقرّر أحد إطلاق النار”، وتساءل: “هل يمكن أن يسود المنطقة هذا الحد من الفوضى تدريجيا، بحيث يتخذ کل شخص أي قرار يريده في الجو؟. أما اللواء يحيى رحيم صفوي، كبير مستشاري المرشد الإيراني فرأى أن تركيا فعلت ذلك بمساعدة “الإرهابيين لمدة 5 سنوات، وأنها ستدفع ثمنا باهظا بسبب إسقاط القاذفة الروسية”.
جاءت المواقف الغربية “حلفاء تركيا في النيتو” مائعة، بل ذهب مسؤول أمريكي إلى القول إن الطائرة الروسية سقطت في الأراضي السورية، وطفا إلى السطح التساؤل “هل يمكن للنيتو أن يساعد تركيا المسلمة حتى لو كانت حليفا”.
الثابت أن إسقاط الطائرة الروسية قد غير قواعد اللعبة والتوازنات في المنطقة، وأن طبول الحرب تقرع بقوة رغم ميل موسكو وأنقرة للتهدئة، وأن ما جرى نقطة تحول بين روسيا الطموحة إلى أمجادها الإمبراطورية القديمة، وتركيا، وريثة الإمبراطورية العثمانية، التي تريد أن تكرس نفسها قوة إقليمية.. كل ذلك في سوريا التي تحولت إلى ملعب للقوى الإقليمية والدولية لإثبات قوتها وتجريب أسلحتها، والسعي لترجمة طموحاتها على الأرض، في الوقت الذي يدفع فيه الشعب السوري الثمن من دمائه ومستقبله.
سمير الحجاوي/5 دقائق هزت العالم
16
المقالة السابقة