بصراحة، لا أعرف ماهية علاقة وزارة الأوقاف وخطبة الجمعة، بالتعداد السكاني المزمع إجراؤه نهاية الشهر الحالي؛ باستثناء أن الحكومة تدرك مدى تأثير ما يحدث في المساجد على المجتمع.
ولم يبق إلا أن تصدر لنا دائرة الإفتاء فتوى تحرم عدم المشاركة في التعداد العام للسكان! وبما يجسد مرآة تعكس القلق الحكومي من عدم استجابة الناس لهذه الخطوة المهمة.
غريب أمرنا؛ مسألة فنية تقنية، فيها مصلحة للجميع، لكن الحكومة تحتاج في تنفيذها إلى كل خطباء الأردن يوم الجمعة، كي يقنعوا الأردني والمقيم بالمشاركة فيها!
الدور الحقيقي والخطاب المطلوب تقديمه لإنجاح التعداد، منوطان أساساً بوزارة التخطيط والتعاون الدولي، ودائرة الإحصاءات العامة، وليس بوزارة الأوقاف. بخلاف ذلك، فإننا نقوم بخلط الأدوار، أو حتى التخلي عنها من المعنيين بها.
العمل الحقيقي والأهم لوزارة الأوقاف هو محاربة الفكر المتطرف وتحصين الشباب من الفكر الآثم الذي يحاصرهم. فيما الدور المطلوب من وزارة التخطيط هو إقناع كل فرد بجدوى إجراء التعداد، للتوصل إلى أقرب نتيجة حقيقية لعدد السكان والمساكن، كون التخطيط لحياة المواطنين لن يستوي من دون معرفة الأرقام الواقعية للسكان، وكل ما يرتبط بهم.
شعور الحكومة بإمكانية عدم استجابة الناس للباحثين مرده، أولا، وبما يمثل بداية الحكاية، ضعف الثقة بالحكومات. يضاف إليه ربما، أو يتفرع عنه للدقة، فقدان الأمل في كل الخطط الرسمية؛ الثلاثية والرباعية والخماسية. ثم جاءت ماهية الاستبانة المستخدمة في الإحصاء، ولاسيما ما كشف من تفاصيلها حول ذكر إسرائيل، كضربة قاسية للفكرة.
المعالجة والردود الرسمية كانت فنية سطحية، لم تلتقط البعد السياسي في هذه الجزئية، ما جعل المشكلة تأخذ مدى أكبر بكثير مما تستحق. رغم أن ردا سياسياً واحدا، بشكل مقنع، كان كفيلا بطي الصفحة.
نجاح التعداد لا يحتاج إلى الخطباء الذين سيكررون عبارات مكتوبة لهم بهذا الشأن. ضرورة الاستجابة، رغم أن القصة اقتصادية فنية حياتية، تحتاج الى إقناع الناس بأهمية التعداد، لهم قبل غيرهم؛ وأيضاً التأكيد على أنه استحقاق قانوني يجب إجراؤه كل عقد من الزمن.
إتمام التعداد بسلام ودقة، يحتاج إلى صوت حكومي يخاطب الناس بأهمية التعداد على صعيد التخطيط للمستقبل. ورغم كون هذه المسألة استراتيجية، إلا أننا لم نسمع، حتى اليوم، تصريحا مقنعا للوزير المعني بالملف، يشرح فيه للناس سلبيات فشل الفكرة على بناء خطط المستقبل؛ وأن التحديات تتعاظم، وتغيب القدرة على الاستعداد السليم لمواجهتها في ظل النمو السكاني الاستثنائي خلال السنوات الماضية، كما ظهر هذا جليا في الإخفاق في تحقيق الأهداف التنموية المطلوبة خلال الفترة الماضية، بحكم الفجوة بين ما هو مخطط له وبين ما تفرضه المعطيات الواقعية.
وعلى المسؤول أن يخفف من الهواجس المجتمعية غير المبررة حيال التعداد، وكأن خلفه مؤامرة كبرى ضد البلد وأهله. ومثل هذه الهواجس لا تكفي لتبديدها عبارة أُفرغت من معناها لكثرة ما ترددت، بأن “لا أهداف سياسية خلف التعداد السكاني”. فهذا صحيح حتماً، لكن الأجدى أن تشرح الحكومة هذه الحقيقة وتفسرها لنا، أم أنها تكتفي بخطباء الجمعة لإقناع الناس بالمبدأ؟!
اللجوء إلى خطباء الجمعة يكشف حجم التخبط الرسمي في إدارة مسألة فنية اقتصادية. ولا أعلم ما إذا كان الخطباء سينجحون في تسويقها؛ بترهيب الناس أو ترغيبهم، بعد أن فشلت العقول الاقتصادية في تحقيق الهدف.
ولعل خطباء المساجد سيدعون الله بإنجاح التعداد أملا في أن يستجاب دعاؤهم. وبعد ذلك ربما نلجأ لهؤلاء الخطباء في معالجة باقي مشاكلنا؛ من فقر وبطالة وعجز ومديونية وغيرها. فيما الدور الحقيقي والمطلوب في ظل تفشي التطرف والفكر الإرهابي، غائب عن دور العبادة.